بعد إغلاقه عدة شهور أثناء تفشي الوباء، يعود معرض "آنا لودل" الشهير في إسطنبول لافتتاح عروضه واستضافة زواره مرة أخرى مع أحدث الإبداعات الفنية التي تظهر مراحل العقل الثلاثة التي تحدث عنها الفيلسوف الألماني "نيتشه".
في كتابه الشهير "هكذا تكلم زرادشت"، تحدث "نيتشه" عن ثلاثة تحولات للعقل البشري من مرحلة الطفولة إلى الشيخوخة تؤدي في مجملها إلى أن يحيا المرء حياة ذات معنى.
يشبه نيتشه مرحلة الطفولة الأولى بحيوان "الجمل" حيث يحمل الطفل كل العبء على ظهره، ويقوم فقط بجمع المعلومات وتلقي الصدمات وتنفيذ الواجبات. وغالباً ما يسمع كلمة "لا" لكنه مع ذلك يقوم بطرح بعض الأسئلة حول مفهوم السلطة. وفي المرحلة الثانية التي تسمى "الأسد" يصبح الطفل مستقلاً ويتعلم أن يقول "لا" لجميع من يمارس النفوذ عليه ويملي عليه الأوامر الخارجية.
بعد هذه المراحل يتحول مرة أخرى إلى "طفل"، وهو اسم المرحلة الثالثة التي يمتلك فيها العقل خبرة "الجمل" وحكمة "الأسد" مما يعني أن هذه المرحلة هي بمثابة بداية جديدة له.
تأسس معرض "آنا لودل" في حي "قره كوي" القديم في اسطنبول بهدف التعريف بأعمال الفنانين الأتراك والعالميين من خلال توفير منصة عرض معاصرة بارزة. وبعد تخفيف القيود أعيد افتتاحه في 9 يونيو بعرضٍ فردي لأعمال الفنان "محمد سنان كوران" التي حاول من خلالها تسليط الضوء على تحولات نيتشه الثلاثة، استناداً إلى فكرة حاجة البشرية إلى العمل والتفكير بشكل مختلف حول مفهوم العمل الجماعي.
ومن تسمية العرض بالكلمة اللاتينية "بعد الوفاة" (Posthumous)، أراد الفنان "كوران" من خلال لوحاته تذكير الناس بأهمية أن يكونوا معاً وهم لا يزالون على قيد الحياة. ومن المؤكد أن مفهوم العمل الجماعي يجعل الناس أكثر حساسية ويدفعهم لتعلم أشياء جديدة.
يقدم المعرض ثلاث مراحل مختلفة وتتوزع لوحاته عبر ثلاثة طوابق تكشف المرحلة الأولى "الجمل" عن العبء الوجودي الذي نحمله على ظهرنا، بما في ذلك الخوف والوحدة والموت والمعرفة والخبرة.
وفي المرحلة الثانية "الأسد" يركز "كوران" على استحالة الحصول على الحرية دون تحطيم الموروثات العفنة والعقبات القائمة. ويبحث في أهمية مشاركة معرفتنا الداخلية ومشاعرنا المتوقدة مع الآخرين.
أما المرحلة الأخيرة "طفل"، فتعكس لعب الأطفال الأبرياء لتوليد مستقبل أكثر إشراقاً.
وإلى جانب إظهار فكرة التنمية البشرية، يشدد العرض أيضاً على أهمية التواجد معاً والاندماج خصوصاً مع استمرار نفاد موارد العالم تدريجياً.
وفي معرض حديثه عن المعرض أشار الفنان "كوران" إلى أن تحضيره لمعرض "بعد الوفاة" استمر عاماً كاملاً وأنه كان على وشك افتتاحه عندما بدأ الوباء. وأوضح أن التسمية جاءت لأن الفنانين لم يكونوا مقدّرين في ذلك الوقت إلا بعد وفاتهم، وهذا أمر محزن للغاية لأنهم أناس منفتحين ويشاركون مشاعرهم بطريقة حميمة تهدف إلى جعل الناس يدركون أن بإمكانهم أن يحيوا حياة مختلفة عن الحياة التي يعرفونها.
وبالإضافة إلى الأعمال الحديثة، يقدم المعرض مجموعة مختارة من أعمال "كوران" المتنوعة بما فيها الرسم والنحت والتركيب والمنسوجات والخشب والسيراميك، بالإضافة إلى لوحة جدارية سيتم تلوينها وتطويرها بمشاركة الزوار.
يستمر معرض "بعد وفاته" في "آنا لودل" حتى 29 أغسطس. ويتم استقبال الزوار بموجب مواعيد محددة مسبقاً من خلال موقع المعرض الالكتروني كجزء من التدابير الصحية الوقائية لجعل الزيارة آمنة.