"حبة بندورة وخبز تكفيني".. كلمات تدل على الرضا بما قسم الله، بدأت بها الأردنية ليلى سويلم حديثها، مختزلة بها كل المعاني عن القناعة وعزة النفس.
سويلم (53 عاماً) مثال حي على أن الإنسان لا يحتاج في هذه الدنيا سوى كفايته، فمهما كان ما يملكه لن يأكل سوى حاجته، وعلى الرغم من ظروفها المعيشية الصعبة إلا أنها تأبى مدّ يديها لأحد، فقررت أن تعيل نفسها بخبز الشراك (الصاج)، عبر مشروع متنقل بات يعرف بـ "شراكي لدعم ذاتي".
في مدينة السلط، 30 كم غرب العاصمة الأردنية عمان، تعيش سويلم حياة يملأ تفاصيلها كل معاني الحزن والمعاناة، فمن إرادة ربانية حرمتها الإنجاب، إلى مرض عضال لزوجها، ودّع على إثره دنياه، تاركاً إياها أرملة بلا معيل، تلاطمها أمواج الحياة العاتية.
سويلم اختارت موقعاً لعملها أمام مقهى "الاسكندراني" ذي المبنى العثماني؛ لتوضح فيه طبيعة عمل قررت أن يكون مصدر رزق إضافي لها قبل 5 سنوات، إلى جانب مهنتها كعاملة نظافة منذ عام 2008.
وتقول "أم أيبك" كما يسميها أبناء مدينة السلط أو "الأم الحنونة" التي لم يشأ لها القدر أن تعيش هذا الدور مع ابن تنجبه، لوكالة الأناضول: "توفي زوجي قبل عام، بعد أن عاش مع إصابته بمرض السرطان في دماغه لنحو 22 عاماً؛ وتعرضه لعدة جلطات قلبية".
وتابعت "لم يشأ لنا الله أن نرزق بأولاد"، لتقطع كلامها بالقول: "ولكن الحمد لله الكل هنا هم أبنائي ويعاملونني كأم لهم".
وأضافت "نتيجة مرض زوجي، وعدم قدرته على العمل، قررت ألا أنتظر حسنة من أحد، فعملت عاملة نظافة؛ كي أتمكن من إعالته ونفسي ودفع أجرة البيت وقيمتها 120 ديناراً (169 دولاراً أمريكياً)".
وبينت: "عملي بالتنظيفات لم يكن في مكان محدد، وراتبي الشهري هو 360 دينارًاً (507 دولارات)، ويتبقى منه بعد أجور التنقل والبيت 140 ديناراً (197 دولاراً)، وهو مبلغ لا يكفي للعيش في ظل الظروف الصعبة".
ومضت: "قررت أن أسند نفسي بعمل إضافي، وذلك من خلال مهنة تعلمتها عن أمي وجدتي، وهي صناعة خبز الشراك على الصّاج".
واستدركت "أحسّ بوضعي شبان من المدينة قبل 5 سنوات، وطلبوا مني أن أقوم بصناعة الخبز في بازار (سوق تجاري) لهم، وبالفعل تم ذلك وأصبحت وجهاً معروفاً للناس".
وأردفت: "بعد مرور وقتٍ على ما أقوم به، طلب مني أحد الشبان أن يطلق علي اسم مبادرة أو مشروع يكون خاص بي، وكان شراكي لدعم ذاتي".
وعلى الرغم من بساطة ما تجنيه من ذلك، إلا أن "أم أيبك" تحاول وبكلام ينمّ عن طيبة معدنها ألا تأخذ ثمن الخبز من زبائنها، دون أن يكون في ذلك أدنى مجاملة، فهي تطلب منهم أن يحصلوا عليه دون أن يدفعوا، وهو ما كان سبباً في تسميتها بـ "الأم الحنون".
"الحمد لله يا أمي، رأس مالي محبة الناس، ولا يحتاج الإنسان إلا إلى لسان ذاكر شاكر، كي يحصل على ذلك، فالحمد لله في كل لحظة وحين"، سويلم متابعةً حديثها.
وأوضحت "الآن الناس تطلبني لصناعة الخبز بالمناسبات وفي الأماكن المعروفة بالسلط، وناس تطلبه إلى منازلها بشكل خاص لمرضى السكري؛ لأنني استخدم طحين القمح الصافي".
وختمت حديثها بالقول: "لا أحب أن ينظر لي أحد بعين الشفقة، فأنا أعمل لأعيل نفسي وليس لأتسول عطف الناس".
وخبز "الشراك" (الصاج) هو نوع من أنواع الخبز البدوي الذي انتشر في البلاد العربية والإسلامية خلال حقبة حكم الدولة العثمانية.
ويحظى بشعبية كبيرة في الأردن، ويخصص لعدد من الأطباق كـ"المنسف" حيث يوضع تحت الأرز وفوقه، إضافة إلى استخدامه بتحضير الساندويش.