"ديلي صباح" تجري زيارة لمدارس وقف المعارف التركي في كوسوفو
- أسماء كامل, إسطنبول
- Aug 17, 2023
ترجع الجذور التاريخية العميقة بين تركيا ودول البلقان، وهي علاقة تجذرت على مدى قرون عديدة، إلى عوامل متنوعة منها تاريخية وثقافية وسياسية. ومن أهم تلك العوامل، التأثير التاريخي للإمبراطورية العثمانية التي حكمت المنطقة أواخر القرن الرابع عشر، حين فتح العثمانيون تدريجياً تلك البلاد، وأسسوا وجوداً استمر لقرونٍ وأدى إلى انتشار الإسلام في جميع أنحاء البلقان، خاصة في ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو وأجزاء من مقدونيا الشمالية وبلغاريا.
كما تركت اللغة التركية والهندسة المعمارية والمطبخ التركي والتقاليد التركية تأثيراً دائماً على دول البلقان، ولا تزال العديد من العناصر الثقافية من تلك الحقبة واضحةً في المنطقة حتى اليوم.
وبعد تفكك الإمبراطورية العثمانية، أقامت تركيا ودول البلقان علاقات دبلوماسية حديثة، خصوصاً في الآونة الأخيرة، فيما تواصل البلاد الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية مع دول المنطقة، كما تشارك تركيا بنشاطٍ في تعزيز الاستقرار الإقليمي والتنمية في البلقان، بشكل يعكس الروابط التاريخية والمصالح المعاصرة.
وقف المعارف التركي في بريشتينا بكوسوفو
وللتعريف بالنشاط التعليمي والثقافي لمدارس وقف المعارف التركي، أجرت "ديلي صباح" زيارة للوقف في العاصمة الكوسوفية بريشتينا، والتقت مع مديره أوغوز حمزة يلماز، تحدث خلالها عن الأهمية الاستثنائية لأنشطة الوقف في هذه البقعة من أوروبا، والتي تربطها بتركيا جذور تاريخية ووشائج ثقافية ودينية هامة.
وقال يلماز: "قبل انتدابي للعمل هنا كنت أعمل في إدارة الوقف في العاصمة التنزانية زنجبار، والتي امتدت إليها نشاطات وقفنا وفعالياته محدثةً أثراً كبيراً في نهضة التعليم والثقافة هناك، وقد استفدت من خبرتي الممتدة على مدى 4 سنوات لأضيف ما اكتسبته سابقاً إلى مهارات تطوير مهام الوقف في بريشتينا/كوسوفو وتعميق أثره وتوسيع أنشطته".
(أوغوز حمزة يلماز مدير وقف المعارف التركي في كوسوفو)
700 طالب
وأشار إلى أن وقف المعارف التركي افتتح أولى فروعه في كوسوفو عام 2017، حيث بدأ بممارسة أنشطته من خلال افتتاح مدرستين في مدن كوسوفو الرئيسية وهما بريشتينا وبريزرن، واللتان اشتملتا في ذلك الوقت على 68 طالباً، ليرتفع العدد ويصبح حالياً 700 طالب.
وأضاف مدير وقف المعارف التركي في كوسوفو:"وفي هذا العام تمكن فريق من طلبة هذه المدارس من الفوز بمسابقة تعليمية على مستوى كوسفو قبل أن يتم ترشيحهم لتمثيل كوسوفو في مسابقات عالمية في كلٍ من فرنسا وإيطاليا، في فروع مختلفة كالرياضيات والبرمجة وعلوم الروبوت واللغة الانكليزية، وحصد الطلبة بالفعل نتائج إيجابية ومحفزة تضمنت 8 ميداليات، وحقق أحدهم المركز الثاني على مستوى العالم".
التعاون مع الهئيات التركية
ولفت يلماز إلى أنه بالرغم من قصر زمن تأسيس الوقف، إلا أنهم يقومون بالتعاون مع الهيئات التركية العاملة في كوسوفو كمعهد يونس إمرة ووكالة التنسيق والتعاون "تيكا" والسفارة التركية، بجهودٍ كبيرة ذات أثر واسع في ترسيخ نهضة التعليم وفتح آفاقٍ جديدة، من خلال الدمج بين مناهج التعليم المحلية والعالمية واختيار الملائم منها، إضافةً إلى المنهاج الخاص بوقف المعارف "I am"، والذي يجمع كل تلك المعايير ويتطور معها ويساعد على التعريف بالثقافة التركية وتقوية الروابط التاريخية والحديثة بين تركيا ودولة كوسوفو.
وحول جهود الوقف والمدارس التابعة له في إنشاء جسر تواصلٍ وثقة بينهم وبين أهالي الطلبة، بوصفهم شريحة اجتماعية واسعة ومتفاعلة من المجتمع المحلي، أوضح يلماز أنهم حريصون على التواصل مع الأهالي بطريقة واقعية وليس من خلال الاعلانات فقط لضمان نجاح العملية التعليمية واستمرار النقد البناء لتحسين الأداء المهني للمؤسسة وكذلك النجاح الأكاديمي للطلبة من خلال اللقاءات والمحاضرات.
التحديات والخطط المستقبلية
وفيما يتعلق بالتحديات التي يواجهها الوقف في كوسوفو، أكد يلماز ضرورة العمل على توفير التعليم المتطور في بيئة عالمية وتلبية كافة المعايير المرتبطة بذلك، وهو ما يتطلب منهم جهوداً حثيثة ومتابعة مستمرة وتقييمٍ دقيق، لأن هذه المنطقة من العالم تشهد تغيرات سريعة وهي منطقة ديناميكية بسبب موقعها وسط أوروبا.
وفي معرض إجابته عن خططهم المستقبلية قال يلماز:"تعتمد خططنا المستقبلية على هدف رئيسي وهو توفير أفضل مستويات التعليم للأجيال في كوسوفو ليتمكنوا من خدمة بلادهم على الوجه الأكمل وإزالة أي نوع من الحواجز بينها وبين تركيا في المستقبل"، لافتاً إلى "أن مدارس وقف المعارف التركي ليست منشآت ربحية على الإطلاق وإنما تتقاضى الحد المتوسط بين المدارس الأخرى والذي يغطي نفقاتها ويوفر استمرارية تطورها بما يتماشى مع معاييرها المصممة لتكون الأفضل بين مثيلاتها".
وختم يلماز حديثه لـ "ديلي صباح" بأن "وقف المعارف يؤمن بأنه من خلال أداء مهامه على أكمل وجه في النهوض بالتعليم إلى مستوى رفيع، فإنه يعكس روح التعاون والتسامح والثقافة الراقية للتعليم التركي، وخصوصاً من خلال تعليم اللغة التركية للطلبة في كافة المراحل، والتي تعكس روح ومعايير وفلسفة الفكر التركي المستمدة من عظمة حضارة الأناضول العريقة".