مسرح الظل العثماني "قره كوز وحجيوات" يرافق شهر رمضان منذ قرون

نسليهان كوتشاك
إسطنبول
نشر في 16.04.2023 19:07
آخر تحديث في 17.04.2023 10:28
شخصيات مسرحية الظل التقليدية Karagöz and Hacivat صورة: Getty Images شخصيات مسرحية الظل التقليدية "Karagöz and Hacivat" (صورة: Getty Images)

كانت مسرحيات الظل جزءاً لا يتجزأ من تقاليد رمضان في العهد العثماني، ولا تزال تحتل مكانة خاصة في قلوب الكبار والصغار على حد سواء في تركيا، على الرغم من أنها بدأت الآن تتلاشى ببطء.

وكشكل من أشكال الفن القديم في الثقافات الآسيوية والشرق أوسطية، كانت مسرحيات الظل جزءاً من التقاليد التركية لعدة قرون، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، ومع أشهر شخصيات هذا الفن في البلاد "قره كوز" و"حجيوات" ظل هذا التراث حياً في العصر الحديث، لكنه راح مؤخراً يغرق ببطء في غياهب النسيان.

وباستخدام الهياكل والدمى الخاصة بهم، يعيد الفنانون إنشاء العديد من الشخصيات والمشاهد المختلفة. وغالباً ما يتم الجمع بين هذه العروض والموسيقى والأغاني التقليدية حيث تحكي العروض الحكايات المثالية والقصص الأسطورية من خلال مسرحيةٍ تُعرض أمام ستارة وتنعكس الظلال على الشاشة.

وتعد "قره كوز وحجيوات" مسرحية ظل تقليدية تعود إلى الفترة العثمانية، ولا توجد معلومات معينة حول متى وأين نشأت المسرحية بالضبط، ولكن يُعتقد أنها كانت موجودة في الأناضول منذ القرن الرابع عشر.

والشخصيات الرئيسية في المسرحية صديقان هما "قره كوز" وهو شخصية ساذجة وعشوائية وكوميدية، و"حجيوات" الذي يتم تصويره على أنه ذكي ولطيف ولائق، وتعتمد المسرحية عادة على الحوارات والمغامرات بين هاتين الشخصيتين.

ويدور الموضوع الرئيسي للمسرحيات حول التفاعل المتناقض بين هذين الصديقين الذي يمثل أحدهما الجمهور الأمي الساذج والبسيط فيما يمثل الآخر الطبقة المتعلمة الواعية.

وتحظى شخصيات الظل تلك بمكانة رائعة في الفولكلور التركي، وهي لا تزال شخصيات محبوبة على نطاق واسع حتى اليوم، وقد تم قبول هذا النوع من المسرحيات الشعبية كشكل فني معترف به، ولعبت دوراً رئيسياً في إثراء اللغة التركية وروح الدعابة.

وهناك روايات مختلفة عن ظهور مسرحيات الظل ووصولها إلى تركيا.

ويُطلق على مكان عرض المسرحية أيضاً اسم "ساحة كوشتري" نسبةً لاسم الشيخ "كوشتري" الذي عاش في عصر السلطان العثماني أورهان في القرن الرابع عشر، والذي تقول الروايات أنه المبدع التاريخي للمسرحية.

ووفقاً للروايات، فقد كان "قره كوز" و"حجيوات" شخصيات حقيقية، وكانا عاملي بناء في مسجد في بورصة في منتصف القرن الرابع عشر، وقد أدت تصرفاتهم الغريبة والسخيفة إلى إعدامهم بأمر من السلطان أورهان، وشعر السلطان بالأسف بعد ذلك، لذلك خلد الشيخ "كوشتري" الثنائي كدمى، والتي استمرت في الترفيه عن الإمبراطورية لعدة قرون.

وتقول روايات أخرى، أن المسرحية نشأت في جزيرة جاوة حيث تم تقديم عروض الظل للدمى بالفعل في وقت مبكر من القرن الحادي عشر، ووصلت إلى الإمبراطورية العثمانية عبر التجار.

وخلال فترة الإمبراطورية العثمانية، كانت المسرحيات تُقام في المقاهي وفي البيوت الخاصة الغنية، بل وكانت تُعرض في حضرة السلطان، وكان لكل جزء من المدينة "قره كوز وحجيوات" الخاص به.

وخلال شهر رمضان، تُقام مشاهد مسرحية الظل في الشوارع وساحات المساجد خاصة بعد الإفطار، ما يتيح للناس الاستمتاع عندما يجتمعون معاً، كواحدةٍ من العديد من الاحتفالات التي يمكن الاستمتاع بها خلال هذا الشهر.

وبعد يوم من الصيام، كانت الحشود تتجول في الشوارع وتحتفل وتأكل وتشرب وترقص وتشاهد فناني الشوارع وتذهب إلى المقاهي لمشاهدة مسرحيات "قره كوز وحجيوات".

وتتكون المسرحية ذات الصيت الواسع والتي جذبت الانتباه في أوروبا في القرن التاسع عشر، من أربعة أجزاء، الأول هو المقدمة وعادة ما يتم فيه رفع رسم منزل أو غابة ببطء من أسفل الشاشة لأعلاها. ويظهر "حجيوات" على الشاشة ويدعو "قره كوز" من خلال تلاوة عبارة مشهورة إذا صح التعبير. ويقبل "قره كوز" هذه الدعوة ويبدأ في المشاحنات مع "حجيوات".

أما الجزء الثاني من المحادثة فيتضمن سؤال البطلين أحدهما للآخر عن ألغاز وأحاجي، ويصفون حدثاً أو حلماً رأوه كما لو كان حقيقياً.

والجزء الثالث وهو الرئيسي من المسرحية، حيث يتطور الموضوع ويتم تقديم شخصيات أخرى وفقاً للسياق. وتلعب القصائد أو الشعر والنثر الشعبي مكانةً هامةً في التشكيل الموسيقي للعرض في هذا الجزء.
وأخيراً، تأتي الخاتمة. وفيها ينتهي الجزء الرئيسي من الأداء ويتم حل الأحداث. وعندما يسمع الجمهور عبارة "حجيوات" الشهيرة "سأخبر المالك على الفور"، يعرفون أن المسرحية قد انتهت.