"ليلة الحناء".. من أجمل تقاليد الزواج التركية
- ديلي صباح, إسطنبول
- Sep 03, 2021
لكل ثقافة من الثقافات العالمية العشرات من التقاليد المرتبطة بالزواج وحفلات الزفاف. وليست الثقافة التركية استثناءً بل لعلها واحدةً من أغنى الثقافات كون البلاد مهداً لحضارات عريقة استوطنتها طيلة 3000 عام.
وتبدأ التقاليد والاحتفالات التي تقام قبل الزفاف في تركيا بزيارة عائلة العريس لعائلة العروس المختارة والمسماة زيارة "kız isteme" وعادةً ما يجتمع كبار السن وأصحاب المقام الرفيع من كلتا العائلتين في منزل عائلة العروس لطلب يدها بشكل رسمي.
ومن الأعراف السائدة في تلك الليلة أن تُقدّم القهوة التركية لجميع الضيوف. ثم يبدأ والد العريس أو والدته أو أي شخص مهم في العائلة، خطاباً تمهيدياً عن أهمية الأسرة وسمعتها ومكانتها ينتهي بعبارة تقليدية تعني "نريد ابنتك كزوجة لابننا". وتسأل عائلة العروس بدورها الابنة المختارة عن موافقتها، وإذا أبدت قبولها، تحدد العائلتان مواعيد الفعاليات والمناسبات التالية، والتي تشمل حفلة الخطوبة التي تنظمها عادة عائلة العروس، وليلة الحناء وليلة الزفاف.
ومع أنني انتقلت للعيش في اسطنبول منذ ما يقرب من 9 سنوات، ولكن الفرصة لم تسنح لي أبداً بحضور ليلة الحناء التركية التقليدية حتى الشهر الماضي. وبالرغم من أنني قرأت الكثير عنها على الإنترنت وشاهدتها في مسلسلات تلفزيونية تركية أو على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنني كنت لا أزال متحمسة للغاية عندما تلقيت دعوة لحضور ليلة الحناء التركية التقليدية وحصلت على فرصة لمشاهدتها بنفسي واكتشاف جمالها وروعة معانيها التي قررت مشاركتها في هذا المقال.
جمال التقاليد
ترتدي العروس التركية في ليلة الحناء، فستاناً أحمر وأحياناً عباءة تقليدية مزينةً بتطريز ذهبي يُشار إليه باسم "bindallı". و بعد بضع دقائق من بداية الاحتفال ووصول الضيوف، تدخل العروس المكان مع بعض صديقاتها اللواتي يحطن بها ويرقصن على أنغام الموسيقى الشرقية. ثم يبدأ الجميع بمشاركة العروس فرحتها من خلال الرقص وترديد أغاني الزفاف التقليدية بمرح وبهجة. ويسود جو من المتعة والفرح والمشاركة المكان بل ويغمره حتى وإن كان بين الضيوف من هي مثلي لا تعرف شيئاً عن الرقص الشرقي أو تفهم حتى كلمات الأغاني التركية ومعانيها.
بعد ذلك يأتي دور الخطوة التالية في ليلة الحناء وهي البدء في صبغ الحناء حيث تنطفئ الأضواء وتجلس العروس في منتصف مجموعة السيدات بينما يتحلق الجميع حولها. وتبدأ الشابات العازبات بالسير في دائرة حولها والشموع في أيديهن. وعادة ما يتم عزف أغنية "Yüksek yüksek tepeler" المسيلة للدموع، لأنها تتحدث في كلماتها عن شوق العروس لعائلتها بعد أن تغادرها ولمدينتها التي ولدت وعاشت فيها مع أبويها وإخوتها. وتشتد حرارة العاطفة أثناء ترديد الأغنية عندما تضم أم العروس ابنتها في مشهد وداع يجعل جميع من القاعة باكياً أو متأثراً. وبمجرد أن تصبح الحناء جاهزة، تجلس العروس في المنتصف على كرسي مع وشاحٍ عادةً ما يكون لونه أحمر ويغطي كامل رأسها، إذ يعتقد الأتراك أن اللون الأحمر يرمز للحب والانتماء.
وكما الأمر في معظم التقاليد التركية فالكبيرات في السن لهن الأولوية دائماً كالجدة أو العمة أو الخالة حيث تُكلّف إحداهن بوضع قطعة من الحناء في كف العروس، ولكن ليس قبل أن تضع حماتها عملة ذهبية في يدها، والتي يُعتقد أنها تجلب الحظ السعيد. ومن المفترض أن تُبقي العروس قبضتها مغلقة إلى أن تأتي حماتها وتفعل ذلك. عندها فقط يتم وضع الحنة في كفها وتُلف يداها بقطعة قماش حمراء وتنتهي الأغنية العاطفية على إثر ذلك ويعود الجميع للرقص.
وهناك تقليد آخر في بعض أجزاء تركيا في ليلة الحناء يسمى "testi kırmak" وهو نوع من الأواني الفخارية المحشوة بالنقود والحلوى والشوكولاتة وملفوفة بقماش أحمر شفاف. وتقوم العروس بالرقص حول العريس الجالس على كرسيه وتهز القدر بيدها وتلقي به بشكل غير متوقع على الأرض وتكسره لتتناثر النقود والحلويات من داخله حيث يُعتقد أن هذا يجلب السعادة مدى الحياة للعائلة الجديدة.
وبعد الانتهاء من جميع "الطقوس" التقليدية، تعود العروس مع الضيوف إلى حلبة الرقص للاحتفال. ويكاد يكون من المستحيل العثور على حدث فيتركيا لا يتضمن رقصات "هالاي" و "هورون" وهي رقصات شعبية من جنوب شرق الأناضول ومناطق البحر الأسود تشبه الدبكة في البلادالعربية. ولأن الحركات ليست معقدة في مثل هذه الرقصات، فمن السهل جداً مشاركة الراقصين بها ولو لمن يفعل ذلك لأول مرة.
وفي نهاية الليلة المميزة، تحصل كل واحدة من الضيوف على هدية صغيرة يمكن أن تكون مستوحاة من تقليد الحناء ذاته أو قطع تزيينية توضععلى الشعر أو شموع حمراء أو حلويات أو أي شيء آخر.
ختاماً فإن تقليد ليلة الحناء مرّ بتغييرات كثيرة منذ العهد العثماني، لكن الهدف الرئيسي للاحتفال لم يتغير. كما أن الجو العام والموسيقى وبالطبعالضيوف جعلوا الليلة مميزة للغاية إلى درجة أنها كانت بالنسبة لي تجربة لا تُنسى حقاً.