إضاءات حول أهمية ثقافة "الجار والجوار" في تركيا

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 24.08.2021 16:47
من أحياء اسطنبول Shutterstock من أحياء اسطنبول (Shutterstock)

يعتبر "الحي" أو ما يعرف "بالمحلة" في تركيا مكاناً حيوياً يلتقي الناس فيه لمساعدة بعضهم وتكوين صداقات تدوم مدى الحياة

وأينما كنت تعيش في تركيا، فالحي الذي تقطنه له مكانة خاصة في هذا البلد العريق، إذ يجعلك جزءًا من المجتمع ويمنحك مكانة خاصة. كما توجد مجموعة كاملة من العادات التي تنسجم مع هذه المسؤولية.

إن بناء العلاقات الوثيقة مع من يعيشون في منطقتك في تركيا، سيجعلك تقطع شوطاً طويلاً نحو تحسين نوعية حياتك في البلاد. كما أن الحي هو المكان الأمثل الذي تقيم فيه علاقات مع الجوار يمكن أن تتحول إلى صداقات مدى الحياة. ولكن إذا لم يتطور الأمر إلى هذا المستوى الرفيع، فإنك ستحصل في حيك على النصائح والإرشادات وحتى الضروريات مثل المياه وربما معظم طعامك وحتى حطبك إذا كنت في فصل الشتاء. وسيأتي جيرانك لمساعدتك وربما لزيارتك. ولكن لتحقيق أقصى استفادة من التعامل مع هذا المجتمع المصغر، من المهم أن تكون على دراية بـ "mahalle kültürü" أو "ثقافة الحي" لأن الأتراك لديهم مجموعة خاصة بهم من العادات والتقاليد تتعلق بكونهم جزءاً من الحي.

يقدم هذا المقال دليلاً للوافدين للتعرف على "ثقافة الحي" في تركيا وكيفية اندماج الأجانب مع الجيران:

مد يد العون:

ينتشر في تركيا مفهوم يشار إليه باسم "imece"، وهو يعني في الأساس تقديم يد العون للجيران. ومن أكبر الأمثلة على هذا المفهوم ما حصل مؤخراً في حرائق الغابات والفيضانات التي ضربت أقساماً لا يستهان بها من البلاد حيث ساهم الكثير من الأتراك بوقتهم وجهدهم للتبرع بالمساعدة. وإذا ما احتاج أي من الجيران في الحي للمساعدة فسيسرع الجيران في تقديمها وسوف يقدرون ذلك كثيراً عندما يفعل الطرف الآخر الشيء نفسه. ومن المهم بالنسبة لأي أجنبي أن يكون على دراية بهذا المفهوم وأن يفهم أن الأتراك يفعلون ذلك بسبب لطف عاداتهم وطيب قلوبهم.

شرب الشاي ولعب طاولة الزهر:

يقول الأتراك في أمثالهم إن مشاركة الجيران في شرب فنجان من القهوة التركية سيدوم ذكرها 40 عاماً. لذلك على الأجنبي ألا يفوت فرصة تناول مشروب ساخن مع جيرانه أو على الأقل مشاركتهم لعب الطاولة الموجودة في كل منزل أو مقهى تقريباً في تركيا.

وعلى الوافد الجديد إلى الحي أن يتأكد من إلقاء التحية على الجيران، كيلا يقال عنه أنه "selamsız" وهو لقب يشير إلى شخص غير ودود ولا يرحب بالآخرين. وكذلك لا داعي للقلق إذا لم يتم الترحيب بالأجنبي في المقابل، خاصة من قبل الأكبر سناً أو من الجنس الآخر حيث قد يكون هناك أسباب أكثر تحفظاً تجعل البعض يتجنبون التفاعل.

عروض غير متوقعة:

يميل الأتراك إلى العيش بشكل عفوي، وبالتالي لا تتفاجأ إذا تلقيت طرقاً غير متوقعاً على بابك من أحد الجيران.

فقد يكون الزائر العفوي جاء لتقديم بعض الطعام أو المعجنات والحلويات التقليدية، تلك التي يتم تحضيرها وتوزيعها عادةً في أيام معينة مثل حلوى عاشوراء. ويجب على الأجنبي أن يضع في اعتباره أنه من غير اللائق رفض مثل هذه العروض.

وهناك قاعدة عامة أخرى في تركيا تنص على أنه إذا حصلت على طعام في طبق الجيران، فمن المفترض أن تملأه بشيء آخر عند إعادته. ومن الجيد دائماً أن تكون مستعداً لضيوف غير متوقعين ولو بتقديم كوب بسيط من الشاي أو القهوة فهذا من شأنه أن يجعل العلاقات طيبة وودية ويساعد في تكوين روابط وثيقة مع الجيران.

اسأل البقال:

يمكن للبقال المحلي في تركيا أن يكون بمثابة نقطة انطلاق لأي استفسار تقريباً. ومن الممارسات الجيدة دائماً دعم تجار التجزئة المحليين، ولكنها قد تكون أيضاً فرصة لتحسين نمط حياتك في تركيا، إذ من المتعارف عليه أن البقال المحلي يقدم خدمة التوصيل، وقد يقوم بائع الخضار الأسبوعي بزيارة الحي ويمكن حتى للطبيب المحلي القيام بجولات.

لا تقلق من الأشياء الصغيرة:

الأتراك في الواقع صبورون بشكل لا يصدق ومراعون للغير ولطفاء ويميلون إلى محاولة النظر إلى الصورة الكاملة في مواجهة المشاكل أو الاختلافات. فعلى سبيل المثال قد يبدو للأجنبي أن الأطفال في تركيا غير منضبطين بعض الشيء وقد يكون هذا صحيحاً، لكن السبب هو أن الأتراك يريدون أن يستمتع أطفالهم ببعض المرح فقط.

ومن التقاليد الشائعة في تركيا أن يكبر الأطفال وهم يلعبون في الهواء الطلق في مناطق مجتمعية مختلفة عن منطقتهم. ويمكن أن تستمر الصداقات التي يتم تكوينها بين الأطفال المتجاورين مدى الحياة وتكون أهم صداقات لديهم على الإطلاق.

ويُشار إلى هذه الرابطة الخاصة التي تتشكل في الحي باسم "mahalle arkadaşı" أو "صداقة الحي"، ويمكن للأهل تشجيع اللعب في الهواء الطلق مهما كان صاخباً، للسماح لهذه الروابط بالنمو والتطور. ولا يشتكي الناس عادةً في تركيا على جيرانهم إذا رأوا أنهم يستمتعون بحفلة كبيرة مثل حفلة الزفاف أو موسيقى صاخبة أو أطفال مشاغبين، بل ينظر معظم الأتراك للتشكي على الجيران على أنه سلوك عدواني ومستفز.

ومع ذلك ينصح للأجنبي أن يركز على ممارسة حريته باحترام لحرية الآخرين، وبالتالي فمن الأفضل عدم إصدار أية ضوضاء خارجية بشكل شخصي، والتحلي بالصبر والتسامح مع الجيران.

بقلم: LEYLA YVONNE ERGIL