مع دخول الهجوم الوحشي الإسرائيلي على غزة شهره الرابع، سجل جيش "بنيامين نتنياهو" بعض الأرقام القياسية القاتمة من حيث عدد القتلى المدنيين، حيث كان أكثر من نصف الشهداء البالغ عددهم 23 ألفاً من النساء والأطفال الأبرياء.
والأفظع من ذلك، أن إسرائيل تحاول إسكات الأصوات التي تنقل الواقع على الأرض، من خلال الاستهداف المتعمد للصحفيين والإعلاميين.
ووضعت إسرائيل نفسها في طليعة الإحصائيات المثيرة للقلق، إذ أنها تقتل صحفياً واحداً على الأقل كل يوم خلال حربها المستمرة منذ 94 يوماً على غزة.
ووفقاً للمكتب الإعلامي في غزة، استشهد ما لا يقل عن 109 صحفيين منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، في حين فقد بعضهم العديد من أفراد عائلاتهم بسبب الهجمات العشوائية.
ويتجاوز عدد العاملين في مجال الإعلام الذين قتلتهم إسرائيل خلال ثلاثة أشهر تقريباً العدد الإجمالي للصحفيين الذين قتلوا طوال فترة السنوات الست بأكملها من الحرب العالمية الثانية (69)، وفقاً لمنتدى الحرية، وهي مؤسسة مقرها واشنطن تدافع عن حرية الصحافة.
وبمقارنة الحرب في غزة مع حرب فيتنام التي استمرت عشرين عاما (1955-1975) وقُتل فيها 63 صحفياً، بينما فقد 17 عاملاً إعلامياً حياتهم في الحرب الكورية التي استمرت ثلاث سنوات (1950-1953).
وفقًا للجنة حماية الصحفيين (CPJ)، ومقرها نيويورك، في الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي بدأت في فبراير 2022، و التي لا تزال مستمرة منذ حوالي عامين، فقد إجمالي 17 صحفياً حياتهم في هذه الحرب.
لكن في غزة، لا تقتصر القضية على القتل فحسب، بل على كيفية استهداف عائلاتهم المباشرة أيضاً من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
فقد مراسل الجزيرة المخضرم في غزة وائل الدحدوح، الذي يُطلق عليه لقب "الجبل"، العضو الخامس في عائلته، الأحد، بعد استشهاد ابنه وصحفي آخر في غارة جوية إسرائيلية، الأحد الماضي.
وكانت زوجة الدحدوح وطفلين آخرين وحفيده قد استشهدوا في وقت سابق من الحرب الإسرائيلية على غزة.
ومع ذلك، فقد واصل الدحدوح تقديم التقارير عن الحرب والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، على الرغم من فقدانه خمسة من أفراد عائلته، وأصبح رمزاً للعديد من المخاطر التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون، الذين استشهد العشرات منهم أثناء تغطيتهم للحرب.
واستشهد حمزة الدحدوح، الذي كان يعمل أيضاً في قناة الجزيرة، و زميله مصطفى ثريا، وهو صحفي مستقل، عندما استهدفت غارة سيارتهم أثناء توجههم من خان يونس إلى مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، وفقاً للمكتب الإعلامي في غزة.
وعلى الرغم من الخسارة، فإن وائل الدحدوح، 53 عاماً، ظهر دائماً تقريباً على الهواء مرتدياً الخوذة الزرقاء والسترة الواقية الخاصة بالصحفيين.
وفي حديثه لقناة الجزيرة بعد جنازة ابنه، تعهد الدحدوح بمواصلة تقديم التقارير عن الحرب.
وقال "على العالم أجمع أن ينظر إلى ما يحدث هنا في قطاع غزة.. ما يحدث هو ظلم كبير للأشخاص العزل والمدنيين، وهو أيضاً ظلم لنا كصحفيين".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، قتلت غارة جوية والدي مراسل آخر لقناة الجزيرة مؤمن الشرفي و20 آخرين من أفراد عائلته.
ردود الفعل الدولية
وأعرب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأحد، عن تعازيه في مقتل حمزة الدحدوح، معرباً عن "أسفه العميق".
وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني في الدوحة: "أنا آسف بشدة للخسارة التي لا يمكن تصورها تقريباً التي تعرض لها الصحفي وائل دحدوح.. أنا أب، لا أستطيع أن أتخيل الرعب الذي تعرض له، ليس مرة واحدة، ولكن الآن مرتين".
من ناحية اخرى، عبرت الصين، الاثنين، عن "حزنها العميق" لمقتل صحافيين فلسطينيين، وحثت إسرائيل على وقف إطلاق النار "فوراً".
بدورها، قالت ماو نينغ، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية: "نعرب عن تعازينا لمدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح الذي فقد ابنه".
وأضافت أن الصين تحث "جميع الأطراف المعنية، وخاصة إسرائيل، على ممارسة ضبط النفس والتنفيذ الفعال لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ووقف إطلاق النار فوراً وتجنب المزيد من المآسي".
من جانبه، ندد الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو بمقتل الصحفي حمزة الدحدوح.
وكتب بيترو على حسابه في منصة "إكس": "108 صحفيين قتلوا في قطاع غزة جراء قصف منازلهم".
كما كتب كريستوف ديلوار، من مجموعة الدفاع عن وسائل الإعلام، مراسلون بلا حدود، الأحد، على موقع "إكس": "نحن في حالة صدمة"، واصفاً الوضع بأنه "مذبحة لا تنتهي أبداً".
ودعا المكتب الصحفي في غزة المنظمات الحقوقية إلى إدانة الهجوم، والضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني.
وقالت شبكة الجزيرة الإعلامية، في بيان، إنها "تدين بشدة استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لسيارة الصحفيين الفلسطينيين"، متهمة إسرائيل بـ"استهداف الصحفيين وانتهاك مبادئ حرية الصحافة".
وتعمل الشبكة على تقديم شكوى قانونية إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد "اغتيال" إسرائيل لمصورها "سامر أبو دقة" الشهر الماضي.
وقال العديد من خبراء القانون الدوليين إن "تصرفات إسرائيل في غزة تشكل جرائم حرب أو إبادة جماعية"، وتعمل دول مثل تركيا وجنوب أفريقيا على رفع قضايا قانونية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.