يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة خطر وقوع كارثة إنسانية كبيرة من نقص بالخبز والمواد الغذائية الأساسية، وسط قطع إسرائيل المياه والكهرباء بالتزامن مع تواصل القصف والحصار على القطاع ما اضطر السكان إلى شرب "مياه غير صالحة للشرب"، إلى جانب تحذيرات من نفاد الوقود في المستشفيات خلال 24 ساعة فقط، وأخرى من وقوع كارثة بيئية بسبب وجود أكثر من 1000 جثمان تحت أنقاض المنازل.
أزمة خبز
ويواجه سكان غزة أزمة في الحصول على الخبز من المخابز في ظل الشح الشديد التي يواجهها القطاع بالطحين في ظل الحرب الإسرائيلية.
ويصطف مئات الفلسطينيين على مخابز في قطاع غزة، للحصول على بعض الخبز لإطعام أسرهم لساعات طويلة.
ولا يعمل في قطاع غزة غير مخابز معدودة بعد إغلاق العديد منهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمياه، وعدم توفر طحين غير بكميات قليلة.
ولا يسمح أصحاب المخابز بإعطاء الفرد غير نصف ربطة من الخبز تزن حوالي كيلو غرام واحد، حتى يتثنى إعطاء أكبر قدر من العائلات.
وقال أحد أصحاب المخابز العاملة في القطاع، لوكالة الأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، "الوضع في قطاع غزة يزداد سوء بسبب عدم توفر الطحين".
وأضاف "مطاحن القمح متوقفة عن العمل بسبب عدم توفر التيار الكهربائي"، مشيراً أن "سكان غزة يصطفون بالمئات من فترات الصباح حتى المساء للحصول على القليل من الخبز".
ويقف المواطن معتز عمران (39 عاما)، منذ أكثر من 4 ساعات في طابور طويل للحصول على الخبز.
وقال عمران، "الخبز الذي نحصل عليه كميته قليلة ولا يكفي أسرتي المكونة من 9 أفراد ليوم واحد".
وتابع: "نناشد العالم بالوقوف لجانب غزة، نعاني أزمة صحية وإنسانية وأزمة طعام".
ولا توجد إحصائية لعدد المخابز، التي توقفت عن العمل بفعل الحرب، لكن الأعداد العاملة قليلة جداً.
أزمة "مياه الشرب"
وإلى جانب أزمة الخبز تبرز أزمة "مياه الشرب"، فقدأعلنت وزارة الداخلية في غزة، الاثنين، أن القطاع يعاني من أزمة حادة في توفر مياه الشرب، ما دفع السكان لشرب مياه غير صالحة، في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وقالت الوزارة، في بيان: إن " قطاع غزة يعاني من أزمة حادة جدا في توفر مياه الشرب في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي".
وأضافت "الاحتلال لم يضخ أي لتر من مياه الشرب إلى أيّ من محافظات القطاع لليوم العاشر على التوالي، ما دفع المواطنين لشرب مياه غير صالحة"، محذرة من "أزمة صحية خطيرة تهدد حياة المواطنين".
والسبت، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، أن أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة، يواجهون خطر نفاذ المياه بسبب الحصار الإسرائيلي المُطبق".
أزمة الكهرباء ونفاد الوقود
كما تبز أزمة الكهرباء، بعد قطع سلطات الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء عن قطاع غزة، وسط إطلاق تحذيرات من نفاد وقود المولدات للمستشفيات في غزة.
وفي السياق، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" من نفاد احتياطيات الوقود في جميع مستشفيات قطاع غزة خلال 24 ساعة فقط.
وقال "أوتشا"، الأحد، في بيان على منصة "إكس"، إن احتياطيات الوقود في جميع مستشفيات قطاع غزة من المتوقع أن تكفي لنحو 24 ساعة فقط.
وأضاف المكتب على تقريره اليومي حول الأوضاع في قطاع غزة، الليلة، أن توقف المولدات الاحتياطية سيعرض حياة آلاف المرضى للخطر.
وحذرت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز، من خطورة الوضع "اللاإنساني" غير المسبوق في غزة ونفاد الإمدادات الأساسية.
وقالت هاستينغز في بيان إن المياه المتوفرة لدى المنظمة الأممية لمساعدة السكان ستنفد إما غدا أو بعد غد على الأكثر، داعية إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية.
وأضافت: "نتوقع ألا يكون لدينا ماء بحلول الاثنين أو الثلاثاء، الماء ما زال مقطوعا، وما نحتاجه هو استئناف إمدادات المياه لملء الآبار على الأقل في جنوب غزة، ويجب أن يحدث هذا على الفور".
وتابعت "الأمر يتعلق بفقدان إنسانيتنا، إذا سمح المجتمع الدولي باستمرار الوضع الحالي، ما نشهده الآن هو ببساطة غير إنساني".
50 ألف امرأة حامل في غزة بلا خدمات
ووسط الحديث عن التحذيرات من نفاد الوقود في المستشفيات، كشف صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين عن وجود 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة لا تستطيع الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
وأضاف الصندوق في بيان على منصة "إكس": "50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة لا تستطيع الحصول على الخدمات الصحية. 5500 منهن سوف يلدن خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري".
وأكد الصندوق أن هؤلاء النساء "يحتجن إلى رعاية صحية وحماية عاجلة"، وحث جميع الأطراف على "التقيد بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وقال مدير الصندوق دومينيك ألين في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية، ونشرت على منصة "إكس" إنّ "نظام الرعاية الصحية نفسه في غزة في وضع حساس. إنه يتعرض للهجوم، وهو على شفا الانهيار".
وأضاف أنّ "هؤلاء النساء الحوامل، اللاتي نشعر بقلق بالغ بشأنهن، ليس لديهن مكان يذهبن إليه"، مؤكدا أنهن يواجهن تحديات "لا يمكن تصورها".
وتابع: "تخيل المرور بهذه العملية في تلك المراحل النهائية والأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل قبل الولادة، مع حدوث مضاعفات محتملة، بدون ملابس، دون نظافة ودعم، من دون معرفة ماذا سيحدث لهن في اليوم التالي والساعة التالية والدقيقة التالية".
وأكد أن "القصص الواردة من المستشفيات كانت مروعة، وأن إحدى القابلات في مستشفى الولادة في غزة أخبرته أنه منذ بداية العدوان، لم تتمكن بعض القابلات حتى من الوصول إلى جناح الولادة لتقديم المساعدة بسبب البيئة غير الآمنة".
وشدد ألين على ضرورة "السماح بمرور المساعدات والإمدادات الإنسانية إلى غزة"، مؤكدا أنه "لابد من فتح ممر إنساني، والالتزام بالقانون الإنساني. ولذلك يجب أن تحصل النساء الحوامل على تلك الخدمات الصحية المنقذة للحياة".
تحذيرات من كارثة بيئية
كما حذرت وزارة الداخلية في قطاع غزة، الاثنين، من كارثة بيئية وإنسانية بسبب وجود أكثر من 1000 جثمان لضحايا القصف الإسرائيلي تحت أنقاض المنازل.
وقالت الداخلية في بيان: "في اليوم العاشر للعدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل على شعبنا في قطاع غزة، نحذّر من كارثة إنسانية وبيئية بسبب وجود جثامين أكثر من 1000 شهيد تحت أنقاض المنازل المدمرة".
وأضافت أن هذا العدد من الجثامين "سيرفع عدد الشهداء المسجلين لدى وزارة الصحة بشكل كبير، وينذر بكارثة بيئية وانتشار للأوبئة".
أزمة نزوح جماعي
كما تشكل أزمة النزوح من المناطق التي تتعرض للقصف الإسرائيلي في قطاع غزة، أزمة أخرى كبيرة تضاف إلى الأزمات السابقة.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، مساء الأحد، إن ما لا يقل عن مليون شخص اضطروا إلى الفرار من منازلهم في أسبوع واحد فقط.
وأضافت الوكالة، في بيان على منصة "إكس": "يستمر نهر من الناس في التدفق جنوبًا. لا يوجد مكان آمن في القطاع"، مشيرة إلى أن "غزة بدأت الآن تنفد من أكياس الجثث".
وفي وقت سابق أفادت الوكالة بنزوح ما لا يقل عن 40 ألف شخص إلى مدارس أونروا ومبانيها في غزة.
وقالت "يتم حرمان كبار السن والأطفال والنساء الحوامل والأشخاص ذوي الإعاقة من كرامتهم الإنسانية الأساسية. هذا عار كامل".
فيما أكد رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، نزوح نحو 70 ألف شخص فقط من شمال غزة باتجاه جنوبها، نافيا ما أعلنه الجيش الإسرائيلي سابقا، عن نزوح 600 ألف فلسطيني، جراء الحرب الدائرة مع حركة حماس.
وقال معروف، في مؤتمر صحفي: "يستمر الاحتلال في بث الأكاذيب والادعاءات ضمن حربه النفسية التي يشنها جنبا إلى جنب مع عدوانه العسكري الغاشم على شعبنا".
وأردف معروف "وكان آخرها ما نقلته صحيفة الواشنطن بوست أمس الأحد عن ناطق باسم جيش الاحتلال بنزوح 600 ألف مواطن من شمال غزة، باتجاه ما زعم أنها (مناطق آمنة) جنوب غزة".
ومساء الأحد نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري قوله: "أكثر من 600 ألف فلسطيني من مدينة غزة تم إجلاؤهم إلى الجنوب على الرغم من محاولات حماس منع الناس من المغادرة"
وزاد أن الناطق (هاغاري) "تناسى أن (المناطق الآمنة) التي يتحدث عنها يتم قصفها بأطنان القنابل شديدة الانفجار ومحو مربعات سكنية كاملة، تماما كما هو الحال في كافة مناطق القطاع (..)".
ووصف معروف ذلك بانه "تخبط وتناقض في التصريحات ويؤكد كذب ادعاءات الاحتلال ويفضح زيف روايته بنزوح هذه الأعداد من شمال غزة".
وأوضح "وخلافا لادعاءات الاحتلال فإن التقديرات تشير إلى نزوح نحو 70 ألف شخص فقط من شمال غزة باتجاه الجنوب، يتواجدون في 12 مركز إيواء".
وأضاف "يعاني النازحون بسبب عدم توفير الأونروا أية مواد غذائية أو إغاثية لهم حتى الآن، ما دفع المئات منهم أمس للعودة إلى محيط مناطق سكناهم بشمال غزة، وإعلان آلاف آخرين نيتهم العودة الجماعية خلال الساعات القادمة".
حلول بديلة للكهرباء
وتحت القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لليوم العاشر على التوالي، يبحث الفلسطينيون عن أي وسيلة للتواصل مع ذويهم والعالم الخارجي بعد انقطاع تام لخدمة الكهرباء.
ويقول السكان إن السبل تقطعت بهم جراء قطع إسرائيل الكهرباء والمياه والغذاء والدواء، والحصول على خدمة شحن الهواتف واحدة من أصعب الاحتياجات.
الأمر دفع بالفلسطيني "أحمد مقداد" من مدينة خان يونس لتوفير خدمة شحن الهواتف النقالة "مجانا" لمئات الفلسطينيين من خلايا شمسية يمتلكها.
وقال مقداد لوكالة الأناضول: "في ظل الأوضاع الراهنة والحرب والقصف وانقطاع الكهرباء بشكل كامل نقدم خدمة مجانية للسكان تتمثل بشحن هواتفهم النقالة وبعض أنواع البطاريات".
ويستفيد من الخدمة نحو 150 عائلة بينهم نازحون من شمالي قطاع غزة، بحسب مقداد.
فمنذ الساعة 8 صباحا يوصل الفلسطيني مقداد كوابل كهربائية أمام منزله لتبدأ عملية شحن الهواتف النقالة.
وأشار إلى أنه يملك ألواحاً شمسية لإنتاج الطاقة الشمسية مما يوفر الكهرباء له طوال ساعات النهار.
وقال: "أقل شيء يمكن أن نقدمه للسكان والأهل أن نشحن هواتفهم لكي يمكنهم التواصل مع عائلاتهم بعد أن تقطعت بهم السبل جراء القصف الإسرائيلي".
وتابع: "أيضا هي فرصة لنقل ما يجري في قطاع غزة من قتل وتشريد ودمار للعالم الخارجي، ومعرفة الأخبار أيضا".
وإلى جانب الألواح الشمسية يملك مقداد أيضا مولدا كهربائيا يعمل بالسولار، يستخدمه في ساعات الليل وتوصيل عدد من المنازل المجاورة بالكهرباء حتى منتصف الليل.
وعن ذلك قال: "الفكرة أن لدينا شيء يمكن أن نقدمه خدمة للأهالي وهذا أقل شيء يمكن فعله".
ويتجمع أمام منزل مقداد في معسكر خان يونس مئات من الفلسطينيين، ينتظرون دورهم لشحن هواتفهم.
ويعاني سكان غزة، وهم نحو 2.2 مليون فلسطيني، من أوضاع معيشية متدهورة للغاية؛ جراء حصار إسرائيلي متواصل منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006.