انطلق في العاصمة القطرية الدوحة، السبت، مؤتمراً نظمته جامعة جورجتاون في قطر بهدف استكشاف الأبعاد العالمية والتاريخية والعقائدية والسياسية التي تؤدي إلى ممارسات "الإسلاموفوبيا"، بمشاركة أكاديميين وفنانين ومسؤولين حكوميين وإعلاميين من جميع أنحاء العالم.
وقال فرات أوروتش، الأستاذ المشارك في جامعة جورج تاون في قطر لصحيفة "ديلي صباح"،على هامش المؤتمر: "هناك بعد دولي لكراهية الإسلام مما يجعل الأمر أكثر إثارة للقلق إلى حد ما، حيث أصبحت الآن نوعاً من العملة العالمية التي يمكن للجميع، وكل دولة قومية، التلاعب بها والاستفادة منها".
وشهد العديد من المسلمين الذين يعيشون في بلدان غير إسلامية، وخاصة في الغرب، زيادة في أعمال العنف ضد مجتمعاتهم في السنوات الأخيرة، فمن الولايات المتحدة إلى أوروبا، ومن الصين إلى الهند، تعرضت المجتمعات الإسلامية لهجوم من المتطرفين سواء على المستوى الفردي أثناء سيرهم في الشوارع أو على المستوى المؤسسي من خلال كراهية الإسلام المتأصلة في السياسات الهيكلية.
وبينما قام المتطرفون بتمزيق وإحراق نسخ من القرآن الكريم، كتاب الإسلام المقدس، في بعض المدن الأوروبية، كانت الحكومات في أماكن مثل فرنسا تعمل على تنفيذ سياسات تستهدف الملابس التي ترتديها النساء المسلمات في المدارس.
مرحلة جديدة من الإسلاموفوبيا؟
وأصبح مصطلح الإسلاموفوبيا أكثر استخداماً بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في الولايات المتحدة، والأحداث التي تلت ذلك مع الصور التي تم إنشاؤها عن المسلمين. ومع ذلك، فإن أعمال العنف والهجمات الأخيرة ضد المسلمين، وخاصة في الغرب، أثارت سؤالاً حول ما إذا كانت الإسلاموفوبيا قد دخلت مرحلة جديدة.
وأضاف أوروتش: أن "خطاب الإسلاموفوبيا يواصل إعادة اختراع نفسه. في مرحلة ما، تكون الشخصية "الإرهابية"، وفي نقطة أخرى، تكون الشخصية المسلمة المعينة التي تعطل النظام العام، ولكن هذا هو الأمر، فهو يستمر في إعادة اختراع نفسه"، مردفاً: "في اللحظة التي ترد فيها على سؤال واحد حول الإسلاموفوبيا، فإنهم يسارعون إلى إيجاد سياق آخر لتنشيط خطاب الإسلاموفوبيا".
وقال جون إسبوزيتو، الأكاديمي البارز من جامعة جورج تاون، لـ "ديلي صباح" إن "الهجرة الجماعية في العقد الأخير ساهمت أيضاً في الخطاب المعادي للإسلام".
وأضاف: "إن المحفز الرئيسي هو الهجرة الجماعية مع ما حدث في سوريا، وما إلى ذلك. بالنسبة للعديد من الدول الأوروبية، حتى فترة قصيرة من الزمن، كان التواجد في ذلك البلد يعني أن يكون لديك نسب طويل في ذلك البلد، وأن تكون أبيضاً، لنكن مسيحيين ونتكلم لغة واحدة. فجأة، أنت تتعامل مع أشخاص من لغات وألوان مختلفة، وكذلك عبر الطيف".
ويذكر تقرير الإسلاموفوبيا الأوروبي بنسخة عام 2022، الذي أعده علماء وباحثون، أن "السياسة تظل القوة الدافعة للإسلاموفوبيا"، ويتضمن التقرير، المكون من 584 صفحة، آثار الحرب المستمرة في أوكرانيا، وتغطية وسائل الإعلام الأوروبية لبطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، وكيف تطورت التشريعات والتدابير المناهضة للمسلمين في دول مثل فرنسا والنمسا.
وعلى سبيل المثال، استمرت "سياسة العرقلة المنهجية" التي تنتهجها فرنسا، وفقاً للتقرير، من خلال الاستيلاء على العشرات من المؤسسات الإسلامية، وفي الدنمارك زاد التمييز وخطاب الكراهية ضد المسلمين وسط نقاش مستمر حول حظر الزي الإسلامي، وفي ألمانيا سجلت الشرطة 364 جريمة معادية للإسلام، كما أبلغت منظمة غير حكومية تركز على العنصرية ضد المسلمين في النمسا عن ألف حالة من جرائم الكراهية ضد المسلمين في عام 2022.
وفي كلمته الافتتاحية في المؤتمر، أوضح السفير إبراهيم رسول، مؤسس مؤسسة العالم للجميع أن "التنقل هو ما يحدد عصرنا، ونحن جميعاً نرحب بحركة رأس المال والسلع، فبضغطة زر واحدة، يمكننا نقل الملايين واستلام البضائع".
وأضاف رسول أن "الرد" على الحراك خلق كل أنواع "المعتقدات والرهاب" التي تفاقمت بسبب العديد من الأزمات، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية والأزمات البيئية والصراعات المستوطنة.
وأردف: "نحن نخلق معتقدات ورهاب لكل اختلاف، نلبسها ثوب القلق من المجهول، ونفعل دولة المراقبة، ونشدد العقوبات في كل حدث، ونتقن سياسات الهجرة وكأنها قوانين عادية نحتاج إلى تنفيذها، لقد تحولت كل هذه الأشياء إلى ما لا يمكن وصفه اليوم إلا بالتطرف السائد".
وتابع: "عندما تسمي الأمر خوفاً أو رهاباً، فإنك تضع العبء على الضحية، إنه عبء مزدوج أن تنجو من التمييز وأن تثبت أنهم ليسوا خائفين إلى هذا الحد".
جذور الإسلاموفوبيا
وتتم مناقشة الأسباب الجذرية لكراهية الإسلام على نطاق واسع بين المسلمين ضحايا هذه الظاهرة والعلماء والسياسيين.
وقال فرات أوروتش: "إن العديد من الطبقات المختلفة، وسائل الإعلام، والطبقة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكذلك الطبقة الأكاديمية، تجتمع بطريقة ما في إنتاج خطاب الإسلاموفوبيا".
كما رأى إسبوزيتو أن "الإسلاموفوبيا يتم بناؤها من خلال صناعة تصور المسلمين من خلال أفعال نسبة صغيرة جداً من الأفراد الذين تم تحديدهم على أنهم مسلمون، وقال: "إن عقيدة الغالبية العظمى من الناس، ثاني أكبر دين عالمي، يُنظر إليها من خلال عدسات ما يشمل نسبة صغيرة جداً جداً من المسلمين"، وأضاف أن هناك أيضاً صناعة، من خلال بعض الحكومات الغربية، وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تنتج الإسلاموفوبيا.
وتعليقاً على الإسلاموفوبيا من خلال التجارب في جنوب إفريقيا، قال السفير إبراهيم رسول لـ "ديلي صباح": إن "الإسلاموفوبيا في جنوب إفريقيا قديمة قدم وجود الإسلام في جنوب إفريقيا".
وأضاف: "في فهمي الخاص لكراهية الإسلام القادمة من جنوب إفريقيا، أتتبع ممارسة الإسلاموفوبيا، حتى لو لم يكن لدينا مصطلح الإسلاموفوبيا، بالعودة إلى ظهور الاستعمار، لأن العالم الإسلامي كان على وجه الخصوص أرضاً خصبة يمكن من خلالها الحصول على العبيد، على سبيل المثال غرب أفريقيا، والتي يمكن من خلالها الحصول على بضائع كما هو الحال في جنوب آسيا والتي يمكن من خلالها الحصول على المزيد من العبيد الذين يمكنهم الاستقرار في أماكن مثل كيب تاون من جنوب شرق آسيا. لذلك، أينما واجه الغرب المسلمين، كانوا يتعاملون مع مهمة مزدوجة: كيفية التخلص منهم وأيضاً كيفية "تنصيرهم". لأن تلك كانت ورقة التين التي يمكنهم من خلالها تبرير الغزو. لأن هؤلاء كانوا متوحشين، غير المؤمنين الذين يحتاجون إلى التحول أيضاً، وطالما أنهم لم ينجحوا في ذلك، فإنهم سيشوهون الدين والأشخاص الذين يمارسون هذا الدين".
وأردف: "لذلك، أود أن أقول بالتأكيد في مثال جنوب إفريقيا في القرن السابع عشر، وأود أن أذهب أبعد من ذلك لأقول إن ذكرى الحروب الصليبية كانت بشكل خاص ذكرى مؤلمة للخيال المسيحي والغربي لاستيعاب حقيقة أنهم شنوا حملة صليبية تلو الأخرى. لترويض هؤلاء المسلمين وسلب مقدساتهم ولم ينجحوا".
وتابع السفير أن الغرب حاول عبر التاريخ إخضاع "الخيال الإسلامي" وأدى الفشل إلى خلق "الخوف من الإسلام"، الذي تحول في النهاية إلى "عدوان" بمجرد أن أصبح الغرب قوياً، مضيفاً أنه في جوهر الإسلاموفوبيا أيضاً مسألة "القوة" و"علاقات القوة".
وتستمر جلسات المؤتمر يوم الأحد 1 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث يناقش كبار الأساتذة والعلماء والباحثين الآليات التي تعزز ممارسات الإسلاموفوبيا المعاصرة والصلات المشتركة بينها على مستوى العالم، وإلى جانب الجلسات النقاشية الرسمية، ستتناول ورش الجمهور والمنتدى الذي يديره طلاب جامعة جورجتاون في قطر سبل المواجهة التي تساعد في الحد من انتشار الإسلاموفوبيا على مستوى الجامعات.