لم يكن مفاجئا أن ينحدر نحو 30 بالمئة من المهاجرين في فرنسا من ثلاث دول مغاربية.
المثير للاهتمام تصاعد عدد المهاجرين من المغرب بنسبة عالية مقارنة بالجزائر وتونس، إلى الدرجة التي تكاد أعدادهم تقارب عدد المهاجرين الجزائريين ببلاد الغال، الذين ظلوا في الصدارة طيلة عقود لأسباب تاريخية.
هذا ما كشفت عنه دراسة للمعهد الوطني للإحصائيات والدراسات الاقتصادية الفرنسي (حكومي)، نشر في 30 مارس/آذار المنصرم.
أظهرت الدراسة أن الهجرة من المغرب العربي مستقرة منذ الثمانينات بنحو 30 بالمئة من المهاجرين.
ويمثل الجزائريون 12.7 بالمئة من المهاجرين غير المولودين في فرنسا حسب الدراسة، أو ما يعادل نحو 890 ألف نسمة من إجمالي 7 ملايين مهاجر، وفق حسابات الأناضول.
بينما تذكر إحصائيات سابقة لمعهد الإحصاء والدراسات الاقتصادية صدرت في يوليو/تموز 2019، أن عدد المهاجرين الجزائريين عام 2009 بلغ 468 ألفا، ثم ارتفع إلى 483 ألفا عام 2014، وتجاوز 543 ألفا عام 2019.
ويأتي بعدهم مباشرة المهاجرون من المغرب، وبفارق بسيط عن نظرائهم من الجزائر، بنسبة 12 بالمئة، أو ما يعادل 840 ألف نسمة، وفق حسابات الأناضول.
بينما تحدث إحصاء للمعهد صدر عام 2022، أن عدد المهاجرين من المغرب بلغ 498 ألفا عام 2019.
في حين جاء المهاجرون التونسيون في المرتبة الرابعة خلف البرتغاليين بنسبة 4.5 بالمئة، أو ما يعادل نحو 315 ألف مهاجر، وفق حسابات الأناضول.
أما الإحصاء السابق للمعهد الفرنسي فتحدث أن أعداد المهاجرين التونسيين بلغت نحو 203 آلاف مهاجر في عام 2019.
ـ صعود المغاربة وتراجع الأوروبيين
والملاحظ أن أعداد المهاجرين المغاربة في تصاعد خاصة من الجنسية المغربية، إذ ارتفع عددهم من 1.63 مليونا عام 2011 إلى أكثر من مليوني شخص عام 2021.
وعلى العكس من ذلك انخفضت أعداد الأوروبيين خاصة من جنوب القارة (البرتغاليين والإيطاليين والإسبان)، الذين كانوا يمثلون 45 بالمئة (قرابة 1.5 مليون) من المهاجرين عام 1968، إلى 8 بالمئة فقط (531 ألفا) عام 2021.
بل كان المهاجرون المغربيون في المرتبة الثالثة بعد البرتغاليين حسب إحصاء 2008، حيث تضاعفت أعدادهم نحو ثلاث مرات ما بين عامي 1975 و2008.
وتوضح الدراسة الحديثة سر هذه المفارقة، من خلال تقديم مثال عن تسارع هجرة المغربيين في الأعوام الأخيرة إلى فرنسا بأعداد أكبر من الجزائريين والتونسيين.
ففي عام 2020، بلغ عدد المهاجرين من المغرب إلى فرنسا 20 ألفا و500، بينما لم يتجاوز عدد المهاجرين من الجزائر 15 ألفا و200، أي بفارق 5 آلاف و300 مهاجر.
وهذه الأرقام متسقة مع التقرير الأخير لوكالة الاتحاد الأوروبي للجوء، الذي وضع المغربيين على رأس الجنسيات المغاربية طلبا للجوء في الاتحاد الأوروبي العام الماضي، بما يقرب 22 ألف طلب لجوء، مقابل أقل من 10 آلاف طلب للجزائريين.
بينما لم يتجاوز المهاجرون من تونس 9 آلاف و700 مهاجر، في عام 2022، وهو رقم كبير إذا ما قارناه بعدد السكان، الذي يبلغ نحو 12 مليون نسمة، بينما يبلغ سكان المغرب 37 مليونا، والجزائر 44 مليونا.
2.5 مليون مجنس
الدراسة الديمغرافية، أوضحت أن نسبة المهاجرين إلى إجمالي سكان فرنسا ارتفعت من 4.4 عام 1946 إلى 6.5 بالمئة عام 1968 ثم إلى 10.3 بالمئة من سكان البلاد، البالغ عددهم 67.6 مليون نسمة عام 2021.
ومن 7 ملايين مهاجر؛ 2.5 مليونا منهم حاصلون على الجنسية الفرنسية، أو ما يمثل 36 بالمئة من المهاجرين، الذين تعرفهم الدراسة بأنهم المولودين خارج البلاد.
بينما 0.8 بالمئة من المهاجرين ولدوا في فرنسا من إجمالي 4.5 ملايين مهاجر غير مجنس، ما يمنحهم أولوية في التجنيس (التلقائي) عندما يبلغون سن الـ18، طبقا للقانون الفرنسي.
ويمثل المهاجرون الأفارقة 47.5 بالمئة من إجمالي المهاجرين، يليهم الأوروبيون (33.1 بالمئة) والآسيويون (13.6 بالمئة)، ومن الأمريكتين وأوقيانوسيا (5.8 بالمئة).
ووفق الرسومات البيانية للدراسة، فإنه منذ 2006، ظهرت فئات جديدة من المهاجرين القادمين خاصة من الصين ومن منطقة الساحل الإفريقي ومن منطقة خليج غينيا، التي تواجه في السنوات الأخيرة تردي للأوضاع الأمنية والاجتماعية.
ويتركز أغلب المهاجرين حول منطقة باريس، التي يقطنها أكثر من 20 بالمئة من المهاجرين، أي خمس سكانها، ويرتفع هذا الرقم إلى قرابة الثلث (31.6 بالمئة) في مقاطعة سين سان دوني، الضاحية الشمالية الشرقية للعاصمة.
كما ترتفع هذه النسبة إلى فوق 10 بالمئة في مناطق بالجنوب والشرق حول بعض المدن الكبرى مثل مرسيليا على البحر المتوسط أو ستراسبورغ الحدودية مع ألمانيا.
بينما تتراجع هذه النسبة إلى دون 3 بالمئة في بعض المقاطعات بالوسط مثل كنتال، والغرب، على غرار المناطق المطلة على المحيط الأطلسي وبحر المانش.
والملفت أيضا في الدراسة أن عدد الإناث المهاجرات فاق عدد الذكور في عام منذ 2010، رغم أن العكس تماما كان يحدث قبل هذا التاريخ.
وما يبرر ذلك أن فرنسا كانت بحاجة إلى اليد العاملة من الذكور لإعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وفي العقود التي تلت بدأت عمليات لمّ شمل العائلات المهاجرة ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإناث المهاجرات أسرع مقارنة بالذكور، خاصة بين عامي 1980 و2000، وحدث التوازن بين الإناث والذكور بين 2000 و2010، قبل أن تتخطى الإناث المهاجرات الذكور بعد ذلك.