بالرغم من بكاء الأطفال وانتشار المباني المدمرة واكتظاظ المستشفيات بالجثث، بدا الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد يوم الاثنين مألوفاً بشكل مؤلمٍ للعائلات السورية وعمال الإنقاذ الذين أنهكتهم قرابة 12 عاماً من القصف والنزوح.
ودفع الزلزال الذي بلغت شدته 7.7 درجة الناس إلى النزول إلى الشوارع في شمال البلاد، إذ تسببت الضربات الجوية والقصف في إصابة السكان بالصدمة وإضعاف أساسات العديد من المباني.
وفي بلدة جندريس التابعة لمحافظة حلب والتي تسيطر عليها المعارضة، كانت هناك كومة من الألواح الخرسانات الاسمنتية المهدمة والقضبان الفولاذية المتدلية وكومات من الملابس المتناثرة في حطام المكان الذي كان يقف فيه مبنى متعدد الطوابق.
وأمام عدسات الهواتف الجوالة قال شاب نحيف غُطيت إحدى يديه بضمادات: "كانت 12 عائلة تسكن البناء. وما زلنا نُخرج الناس بأنفسنا دون وجود أي فرق إنقاذٍ منذ الثالثة صباحاً"، فيما بدت أنفاسه مرئيةً في هواء الشتاء البارد وهو يتحدث.
كما شوهد عدد من المواطنين الشبان وهم يحاولون الإغاثة متجنبين انهيار المزيد من الحطام، ويدقون بالمطارق على ألواح من الخرسانة بحثاً عن ناجين. بينما تطايرت خزانات المياه والألواح الشمسية من فوق الأسطح وسقطت على الأرض الرطبة.
وبحسب معطيات جمعتها وزارة الصحة التابعة للنظام السوري والدفاع المدني السوري، قُتل في حصيلة أولية ما لا يقل عن 783 شخصاً وجُرح المئات حيث أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية نقلاً عن وزارة الصحة، عن مقتل ما لا يقل عن 403 أشخاص وإصابة 1.284 آخرين، فيما أعلن الدفاع المدني السوري مقتل 380 شخصاً وإصابة أكثر من 1000 آخرين في مناطق سيطرة المعارضة شمال غرب سوريا حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
ويُعتقد أن الحصيلة التي أوردتها وسائل الإعلام الحكومية تشمل فقط أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
من جانبه قال رائد فارس رئيس الخوذ البيضاء لرويترز عبر الهاتف "نحن في سباق مع الزمن لانقاذ حياة من هم تحت الانقاض. حتى لو كانت فرقنا منهكة فليس لدينا وقت للراحة".
وأضاف أن الضربات الجوية التي تعرضت لها معظم المناطق على مر السنين، تركت المباني هشة من الناحية الهيكلية لذا "انهارت على الفور" بفعل الزلزال، ما أدى إلى سقوط المزيد من القتلى.
برودة الطقس الشتوي
وأصبح ملايين الأشخاص في شمال غرب سوريا معرضين للخطر بسبب الصراع وفقاً للأمم المتحدة، التي تقول إن 2.9 مليون شخص في المنطقة قد نزحوا وأن 1.8 مليون يعيشون في المخيمات.
وعملت فرق الإنقاذ لسنوات على إنقاذ الأرواح من القصف والغارات الجوية التي تشنها الحكومة السورية أو القوات الروسية والتي غالباً ما كانت تضرب نفس الموقع عدة مرات، ما يعرض حياة المسعفين للخطر.
وقال فارس: "الآن على الأقل، لن يقصفنا أحد أثناء عملنا".
لكن الطقس الشتوي البارد أضاف تحدياً آخر لعمال الإنقاذ الذين قالوا إن العائلات تعرضت لدرجات حرارة شبه متجمدة وأمطار غزيرة.
بدوره قال أحمد الشيخ من سكان بلدة حدودية قريبة في ريف محافظة إدلب، إن الزلزال دمر المباني المتواضعة التي أقيمت في مخيمات النازحين والتي تستضيف السوريين الذين فروا من الحرب على مدى سنوات.
وإلى ناحية الغرب، كان المستشفى الرئيسي في مدينة عفرين الذي تسيطر عليه المعارضة، يعج بالمواطنين الجرحى الذين يتلوون على الأرض، بينما تكافح النساء للوصول إلى عائلاتهن عبر الهاتف حيث كانت الخطوط معطلة.
وقام المسعفون برصِّ أكياس الجثث السوداء على أرضية ملطخة بالدماء، بينما راح الأطفال الصغار يصرخون ويبكون في خلفية المشهد.
وقال إبراهيم عبيد أحد سكان عفرين: "لا نسمع إلا صفارات سيارات الإسعاف في كل مكان. والناس مصدومون بالفعل. الوضع مأساوي للغاية، وهناك الكثير من الخوف وما زلنا نشعر بهزات".