اللاجئون السوريون في لبنان.. بين البحر والأمن والإعادة لسوريا

وكالة الأنباء الفرنسية
بيروت
نشر في 18.01.2023 11:11
آخر تحديث في 18.01.2023 11:32
سيارات الإسعاف في بلدة عرسال اللبنانية في سهل البقاع بالقرب من الحدود مع سوريا، 3 أغسطس 2014 الفرنسية سيارات الإسعاف في بلدة عرسال اللبنانية في سهل البقاع بالقرب من الحدود مع سوريا، 3 أغسطس 2014 (الفرنسية)

في ليلة رأس السنة الجديدة انطلق من ساحل لبنان الشمالي زورق صغير كان يقل أكثر من 230 مهاجرا، معظمهم سوريون، وسرعان ما غرق بعد مسافة قصيرة.

وقد تمكنت أطقم إنقاذ من البحرية اللبنانية وقوات حفظ السلام الأممية المنتشرة على طول الحدود مع إسرائيل من إنقاذ جميع الركاب باستثناء اثنين إذ غرقت امرأة سورية وطفل.

لكن بالنسبة لباقي الناجين كانت هذه الإغاثة مؤقتة.

فبعد إعادتهم إلى الشاطئ في ميناء طرابلس، نقل الجيش اللبناني نحو 200 سوري منهم في شاحنات وأنزلهم على الجانب السوري من معبر حدودي غير رسمي في وادي خالد، وهي منطقة نائية شمال شرقي لبنان، حسب ما ذكر بعض الناجين ومتابعو حقوق الإنسان.

لم يتضح بعد من أصدر أمر الترحيل، لكن الواقعة تمثل بوضوح تصعيدا لعمليات الترحيل التي يقوم بها الجيش اللبناني للسوريين، في وقت يتصاعد فيه الخطاب المعادي للاجئين في لبنان.

ولم يرد مسؤولون في الجيش ومديرية الأمن العام، وهو الجهاز المسؤول عادة عن قضايا الهجرة، على طلباتنا المتكررة بالتعليق.

وبمجرد وصولهم إلى الجانب الآخر من الحدود، اعترض أفراد يرتدون زي الجيش السوري هؤلاء الأشخاص، وقاموا بحشدهم في دفيئات بلاستيكية كبيرة، واحتجزوهم هناك وطلبوا من عائلاتهم فدية مقابل إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى لبنان على يد مهربي بشر.

اللاجئ السوري المقيم في لبنان منذ عام 2012، ياسين الياسين (32 عاما) قال:"كانت مسألة بيع وشراء... وبيع وشراء أشخاص".

وأضاف أنه سدد 600 دولار -تقسم بين عناصر جيش النظام والمهربين- لإعادة شقيقه إلى لبنان.

وذكر محمود الديوب (43 عاما)، أحد الناجين من الزورق الغارق، وهو بالأصل من مدينة حمص السورية، أنه سمع خاطفيهم وهم يتفاوضون على سعر كل محتجز.

وأضاف الديوب، المسجل كلاجئ في لبنان منذ عام 2012 "لا أعرف ما إذا كانوا تابعين للجيش السوري أم لمهربين. كان هناك 30 شخصا يحيطون بنا مسلحين ببنادق، ولم نكن ندري ماذا يحدث. كان ما يهمني هو عدم بقائي في سوريا، لأنه إذا حدث فقد لا أعود".

وقال الديوب إنه تمكن من الهرب والعودة عبر الحدود ولم تسدد عائلته أي فدية.

من جانبهم يقول مراقبو حقوق الإنسان إن قضية الناجين من القوارب تمثل منعطفا جديدا مؤرقا ضمن سعي لبنان الحثيث لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

منذ اندلاع الازمة الاقتصادية في لبنان قبل ثلاث سنوات تصاعدت دعوات مسؤولين لبنانيين إلى عودة السورييين الى بلادهم.

وفي بعض الأحيان كانت المديرية تقوم بترحيل أفراد إلى سوريا، وفق قانون سن عام 2019 يسمح بترحيل اللاجئين غير المصرح لهم الذين دخلوا لبنان بعد أبريل / نيسان من ذلك العام.

وأشارت تقارير منظمات حقوقية إلى حالات عودة لاجئين الى لبنان، حيث يتم احتجازهم وتعذيبهم، وهو ما نفته السلطات اللبنانية.

وحتى وقت قريب كانت عمليات الترحيل تتم في أغلبها لأعداد صغيرة، ويتم تنفيذها وفق إجراءات رسمية، ما منح الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية فرصة للتدخل ووقفها في بعض الحالات.

المحامي الحقوقي اللبناني محمد صبلوح قال إن ما حدث للناجين من الزورق الغارق يعد "انتهاكا لحقوق الإنسان وقوانين لبنان والمعاهدات الدولية".

بينما ذكرت ليزا أبو خالد، متحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين الاممية في لبنان، أن المفوضية "تتابع القضية مع السلطات المختصة، مضيفة "يجب ان يكون من حق كل من يتم إنقاذهم في البحر الذين يخشون (العودة) إلى بلادهم طلب الحماية".

يقوم الجيش اللبناني بانتظام بإعادة من ألقي القبض عليهم أثناء عبورهم الحدود بشكل غير قانوني من سوريا.

وصرح جيمي جبور، عضو مجلس النواب عن دائرة عكار شمالي لبنان التي تضم وادي خالد، أنه عندما تعترض دوريات الجيش المهاجرين الذين عبروا الحدود إلى لبنان عبر طرق التهريب، فإنهم في الأغلب يعتقلونهم ويلقون بهم في منطقة حدودية بدلا من اتخاذ إجراءات ترحيل رسمية.

وأضاف أنه بعدها يقوم المرحلون ببساطة بسداد أموال لمهربين لإحضارهم مرة أخرى، وأنه اشتكى للجيش من هذه الممارسة.

وقال "ليس من مهام الجيش إيجاد فرص عمل للمهربين... مهمة الجيش هي تسليمهم إلى الأمن العام... ثم يقوم الأمن العام بتسليمهم إلى السلطات السورية".

وعلى عكس المهاجرين الذين وصلوا الى لبنان مؤخرا كان من بين الناجين ليلة رأس السنة الجديدة لاجئون كانوا يعيشون في لبنان لأكثر من عقد من الزمان وهم مسجلون لدى الأمم المتحدة.

وقالت إحداهن، وهي امرأة سورية من إدلب تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها خشية الانتقام، إنها أمضت ليلتين محتجزة على الحدود قبل أن يسدد أقاربها 300 دولار لإعادتها إلى لبنان.

وأضافت "لا أستطيع العودة إلى سوريا. أفضل الموت وأن ألقي بنفسي في البحر".

وأكدت ياسمين ليليان دياب، مديرة معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية، أن العديد من اللاجئين يلجأون إلى البحر تجنبا للترحيل.

واضافت أن معهد دراسات الهجرة وجد طفرة في زوارق المهاجرين التي غادرت لبنان أواخر عام 2022، وأن البعض أبلغ فريقا من الباحثين تابعا للمعهد أنهم غادروا بسبب الخطاب العدائي المتصاعد ضد اللاجئين.

وقالت ياسمين ليليان إنهم كانوا يخشون حدوث "عمليات الترحيل وأن تتم إعادتهم إلى سوريا، لذلك شعروا أنها الفرصة الوحيدة امامهم للمغادرة."