بعد سنوات من المناقشات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، عبر الوسيط الأمريكي، طوت صفحة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في منطقة غنية بالنفط والغاز الطبيعي بالبحر المتوسط تبلغ مساحتها 860 كم مربعاً، بعد توقيع كلاً منهما الاتفاق وإرساله إلى مقر قاعدة اليونيفيل (بعثة الأمم المتحدة) في الناقورة بالجنوب اللبناني.
وبموجب هذا الاتفاق، حُددت المناطق الاقتصادية الخاصة بالجانبين في البحر المتوسط، كما سيسمح للجانبين بالتنقيب عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها التابعة لمياههما الإقليمية.
ومن المفترض أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، بعدما تعلن الولايات المتحدة موافقة كلا الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في ورقة التفاهم.
من الرابح؟
ويرى الباحث الصحافي منير الربيع، أنه بالرغم من أن الاتفاق بمثابة انفراجة دبلوماسية كبرى للبلدين بعد عقود من الصراعات غير المباشرة، إلا أنه مازال محدود النطاق نسبياً ولا يشمل حلاً للنزاع طويل الأمد الخاص بالحدود البرية بين البلدين.
وأشار إلى أن إسرائيل هي الرابح الأكبر بسبب حصولها على حقل كاريش كاملًا وجزءاً من حقل قانا، إضافةً إلى حصولها على تعهدات بالاستقرار الأمني على الحدود وإبقاء الحدود من دون ترسيم.
وأردف الربيع أن لبنان خسر بعد أن قدّم تنازلاً عن الخط 29 رغم حصوله على الخط 23، إضافة إلى وضع قرار حل أي نزاع بين الجانبين بيد الأميركي.
ولفت إلى أنه لا يمكن للبنان أن ينقّب في الرقعة النفطية رقم 9 التي يقع ضمنها حقل قانا، قبل الوصول إلى اتفاق من مع شركة توتال والإسرائيليين على دفع التعويضات، وكلها عناصر تكوّن نقاط ضعف للبنان.
وأضاف: "الأهم أيضاً عدم ترسيم الحدود نهائياً فيما يتعلق بخط الطفّافات، وهذا يعني أن الإسرائيلي سيستمر بالدخول إلى هذه المنطقة، أما لبنان سيبقى مصيره معلّقا فيما يتعلق بترسيم تلك المنطقة".
وتابع الربيع أن تعليق ترسيم الحدود إلى أجلٍ غير مسمّى لا تستفيد منه الدولة اللبنانية، وإنما يستفيد منه حزب الله من خلال استخدامه كذريعة للاحتفاظ بسلاحه لحين ترسيم الحدود.
لكن وفق رؤية المحلل السياسي قاسم قصير، فالمستفيد هو حزب الله، في محاولة منه لتحسين صورته بالخارج، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة عليه، خاصة وأن لبنان خسر الخط 29 الذي كان يعطيه الحق في جزء من حق كاريش.
الموقف اللبناني
من جهتها أعلنت الرئاسة اللبنانية أن رئيس البلاد ميشال عون، وقع على رسالة تحمل موافقة بيروت على مضمون الرسالة الأمريكية بشأن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود.
وأضاف البيان الصادر عن الرئاسة، أن عون ترأس اجتماعاً مع الوفد الذي سيحضر مراسم توقيع الاتفاق، كما زودهم بتوجيهاته قبل المغادرة إلى الناقورة.
ويضم الوفد كلاً من مدير عام الرئاسة أنطوان شقير، ومفوض الحكومة لدى القوات الدولية العاملة في الجنوب العميد منير شحادة، وعضو مجلس إدارة هيئة النفط وسام شباط، ورئيس مركز الاستشارات القانونية بوزارة الخارجية أحمد عرفة.
من جانبه أعرب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي عن أمله في أن يساهم اتفاق الترسيم بحلّ الأزمة الاقتصادية، ويساعد لبنان على النهوض من جديد
ورأى ميقاتي أن ما تحقق خطوة أساسية على طريق الاستفادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حلّ الأزمات المالية والاقتصادية التي يمرّ بها.
وأشار إلى أن التعاون بين مختلف المسؤولين اللبنانيين، بمساعدة أصدقاء لبنان، حقق هذه الخطوة النوعية الأساسية في تاريخ لبنان، بعد سنوات من العمل الدؤوب.
وفي سياق متصل ومتوافق مع الحكومة اللبنانية، اعتبر الباحث السياسي "ميشال أبو نجم"، أن الاتفاق مكن بلاده من المحافظة على السيادة بعدم الاعتراف بخط الطفّافات الحدوديّ، ولو تطلب ذلك تأجيل البحث فيه إلى وقتٍ لاحق.
كما وصف اتفاق ترسيم الحدود بالإنجاز الذي تمكن من تحييد خط هوف الذي كانت تصر عليه الإدارة الأمريكية، واعتماد الخط 23 بدلاً عنه.
وأوضح أبو نجم أنه ربما حصلت إسرائيل على بعض ما تريد، ولكن ليس على حساب لبنان وسيادته وثرواته.
الموقف الإسرائيلي
من جهته وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد على الاتفاق بعد أن صادقت الحكومة الإسرائيلية عليه بشكل نهائي.
ويرأس الوفد الإسرائيلي الذي سيوقع الاتفاق في الناقورة مدير عام وزارة الطاقة ليؤور شيلات.
وقال لابيد: " هذا الاتفاق يعد إنجاز اقتصادي، فأمس بدأ الاستخراج من حقل كاريش، وستحصل إسرائيل على نسبة 17% من الأرباح الناتجة عن حقل قانا-صيدا، وهو ما سيضخ لاقتصاد الدولة الأموال التي ستصرف على الرفاهية والصحة والتربية والتعليم والأمن".
وذكّر لابيد أن الحكومة الإسرائيلية وضعت الاتفاقية قبل 15 يوماً على طاولة الكنيست الذي أجرى التدقيق والرقابة الصارمة، ومعظمها أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمنية، بما في ذلك الأجزاء السرية التي طُرحت على اللجنة الفرعية للشؤون الاستخباراتية.
وقال: "العملية التي قدناها تم تحدّيها لدى محكمة العدل العليا من خلال الادّعاءات والاعتراضات المختلفة، وقررت المحكمة بالإجماع أن الحكومة أدارت إجراءً سليماً ووجيهاً وقانونياً".
وأضاف لابيد: "إن دولة إسرائيل تستفيد اليوم أمنياً واقتصادياً ودبلوماسياً، وكذلك من ناحية الطاقة.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن تنظيم حفلاً مغلقاً في منطقة الناقورة الواقعة على الحدود اللبنانية، بحضور الوفدين الإسرائيلي واللبناني، إلى جانب الوسيط الأمريكي آموس هوكشتين ومسؤولين من الأمم المتحدة.
أبعاد سياسية
وقال لابيد: "هذا إنجاز تاريخي، ليس في كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل، من خلال اتفاق خطي، وأمام المجتمع الدولي أجمع.
بينما أعلن الرئيس اللبناني، بأن إنجاز ملف ترسيم الحدود بين بلاده وتل أبيب، ليس أكثر من عمل تقني، وليس له أي أبعاد تناقض السياسة الخارجية، في إشارة إلى استمرار عدم اعتراف بيروت بإسرائيل.
الموقف الأمريكي
الرئيس الأمريكي جو بايدن وصف الاتقاق بأنه "تاريخي"، ويجلب الأمل والاستقرار للمنطقة.
جاء ذلك في لقائه مع نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بالبيت الأبيض يوم أمس.
وتابع: "سيسمح الاتفاق بتطوير حقول الطاقة للبلدين، وسيخلق أملا وفرصا اقتصادية جديدة للشعب اللبناني، ويعزز استقرار وأمن شعب إسرائيل".
أما الوسيط الأمريكي آموس هوكستين، فشدد على أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، سيبقى قائماً وآمناً مهما كانت نتائج الانتخابات الإسرائيلية.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده عقب لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في العاصمة بيروت.
وأضاف هوكستين: "أجريت مشاورات مع رئيس مجلس النواب، وأقدّر الجهود للتوصل إلى هذا الاتفاق الذي سيستفيد منه لبنان والشعب اللبناني اقتصادياً".