وضع حادث العقبة الأردنية، الذي أودى بحياة 13 شخصاً وإصابة 260 آخرين الأسبوع الماضي، حكومة بشر الخصاونة أمام موقف صعب، قد يكون سببا في رحيلها.
ووقع الحادث في 27 يونيو/ حزيران الماضي، إثر سقوط صهريج معبّأ بغاز الكلورين السام في ميناء العقبة جنوبي البلاد.
والأحد، أصدرت لجنة التحقيق الحكومية بالحادث نتائجها، وأعلنت عن إنهاء خدمات مدراء عامين ومسؤولين، وتحويل ملف القضية للنيابة العامة.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك لوزيري الداخلية والإعلام، مازن الفراية وفيصل الشبول، وجهت إحدى الصحفيات سؤالاً للوزيرين حول تحمل الحكومة مسؤوليتها الأخلاقية والأدبية والتقدم باستقالاتها، ليكتفي وزير الإعلام بالضحك، وينقل الميكروفون لسائل آخر.
ويرى مراقبون أن ما قامت به حكومة الخصاونة حيال الحادث هي إجراءات لا تمنع رحيلها، إلا أن القول الفصل يبقى لعاهل البلاد الملك عبد الله الثاني، بعد عودته من الولايات المتحدة، والذي يتواجد بها للمشاركة في الملتقى الاقتصادي بمدينة صن فالي.
وتنص المادة 35 من الدستور على أن الملك يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم، بناء على تنسيب (ترشيح) رئيس الوزراء.
** أحكام الدستور
ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة الأردنية (حكومية)، قال: "إن أحكام استقالة الحكومة بعد هذه الكوارث غير واضحة بالدستور الأردني ولا بأي دساتير".
وأضاف: "هناك العديد من العوامل التي توجب تحمل المسؤولية، كالرأي العام وحجم المشكلة، وعوامل أخرى".
وتابع نصراوين: "دائما يثور التساؤل عن معيار الخطأ أو الضرر الذي إذا حدث، تتحمل الحكومة أو الوزير المسؤولية والتقدم بالاستقالة".
وأردف: "ليست هناك أحكام واضحة بهذا السياق داخل الدستور".
واعتبر الخبير الدستوري الأردني، أن "البديل الواضح هو أن يتحرك مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) ويمارس دوره ويتحمل المسؤولية الوطنية ويحجب الثقة عن الحكومة".
وحسب المادة 54 من الدستور، تُطرح الثقة بالوزارة أو بأحد الوزراء أمام مجلس النواب.
وإذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة (50 بالمائة +1) من مجموع عدد أعضائه، وجب عليها أن تستقيل.
** الكلمة الأخيرة للملك
من جانبه، بين عامر بني عامر، مدير مركز "راصد" (مستقل/ معني بمتابعة أداء الحكومة والبرلمان)، أنه "جرت العادة بأن المسؤولية الأدبية في الأردن تعتمد على مدى ردة فعل الشارع، وأيضا على طبيعة الوقت الذي تقع به تلك الأحداث".
ولفت بني عامر في حديثه: "في بعض الأحيان تتزاحم بعض القضايا في وقت واحد، فينتقل اتجاه الرأي العام باتجاه عدة قضايا، مما يسهل الهروب من تحمل المسؤولية الأدبية".
واستطرد: "الأمر الآخر الذي يتحكم بموضوع المسؤولية الأدبية هو تفاعل المستويات العليا من السلطة بمختلف تدرجاتها، ففي بعض الأحيان تقدر بأن ما حدث لا يستدعي تحمل المسؤولية".
وأكمل: "من جهة أخرى، فإن ردة فعل النواب تؤخذ في موضوع المسؤولية الأدبية ومحاسبة المسؤول بالحد الأدنى".
وأرجع بني عامر السبب في ذلك إلى "كثرة تقاطعات مصالح السلطة التشريعية مع التنفيذية، مما يضعف دورها الرقابي بشكل عام".
ورأى بأن "عدم وجود عمل كتلوي (يمثل كتلة) منظم داخل البرلمان، يضعف قدرته على خلق دور ضاغط على السلطة التنفيذية، وبالتالي سحب الثقة من أي مسؤول حكومي".
واختتم: "لكن الكلمة تبقى للملك في اتخاذ ما يراه مناسبا، وهو ما تؤكده مواقف سابقة".
** تحت وصاية القضاء
في السياق، رأى صالح العرموطي، عضو مجلس النواب، ونقيب المحامين السابق، في حديثه للأناضول أن "مجلس النوب لا يملك الاجتماع واتخاذ أي قرار بخصوص ما جرى، لأنه منفض، ودورته الاستثنائية المقررة في العشرين من الشهر الجاري لا تتيح له مناقشة أي موضوع خارج جدول الأعمال المحدد، بموجب المادة 82 من الدستور".
ويضيف العرموطي: "يكون ذلك إذا طلبت الأغلبية المطلقة في المجلس من الملك دورة استثنائية لمناقشة الموضوع، وأنا من الداعين لذلك، بموجب الفقرة الثانية من المادة 82، ويحدد المجلس ما يرغب بمناقشته، وهذا لم يحصل في تاريخ مجلس النواب، بحسب علمي".
وذكر أن "مجلس النواب صاحب ولاية بالمراقبة والمحاسبة، وسبق أن شكل لجنة تحقيق في حادثة البحر الميت (سيول عام 2018) وأوصى بإقالة وزيرين، وهو ما تم بالفعل".
"القضية الآن تحت وصاية القضاء، والنيابة العامة وضعت يدها على القضية، ولكن هذا لا ينفي تحمل الحكومة للمسؤولية، فما ورد في بيان وزير الداخلية من شأنه أن تتحمل الحكومة مسؤولية ما جرى"، يتابع العرموطي.
ووصف النائب الأردني ما جرى بـ"الجريمة الكبرى"، مضيفا: "لو كنت مكان رئيس الوزراء لقدمت استقالتي، لأن حياة المواطن الأردني عزيزة وغالية، ولا يجب التفريط بها، وعلى كل المتسببين دفع الثمن".
وفي 7 أكتوبر / تشرين الأول 2020 كلف العاهل الأردني الخصاونة بتشكيل الحكومة، وهو رئيس الوزراء الـ13 في عهد الملك عبد الله الثاني، منذ تولي سلطاته الدستورية في 7 فبراير/ شباط 1999.
وأجرى الخصاونة خلال فترة ولايته 4 تعديلات على حكومته، كان آخرها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وجاءت في غالبيتها على وقع أزمات استدعت ذلك.
وما أن أكملت الحكومة شهرا واحدا من عمرها، حتى استقال وزير الداخلية توفيق الحلالمة، على خلفية "مخالفات قانونية" شهدتها المملكة عقب إجراء الانتخابات النيابية.
وفي 28 فبراير/ شباط 2021، وافق الملك، على استقالة وزيري الداخلية والعدل، سمير المبيضين وبسام التلهوني، بناء على طلب من الخصاونة، بدعوى "مخالفتهما تدابير مكافحة كورونا".
وبعد خروج وزيرين، وجد الخصاونة نفسه مضطرا إلى إجراء تعديل حكومي موسع، وهو ما تم بالفعل، في 7 مارس/آذار 2021.
إلا أنه وبعد أقل من 24 ساعة، تقدم وزير العمل معن القطامين باستقالته، إذ تضمن التعديل حصر عمله بحقيبة واحدة، وإلغاء وزارة الدولة لشؤون الاستثمار التي كان يتولاها قبل ذلك مع العمل.
وفي ذات الشهر، أدت حادثة انقطاع الأكسجين في مستشفى السلط الحكومي إلى وفاة 7 مرضى، ليعلن وزير الصحة نذير عبيدات استقالته، وتحمله مسؤولية ما جرى، ليجري الخصاونة تعديلا محدودا أدخل فيه وأدخل وزير الصحة فراس الهواري ووزير العمل يوسف الشمالي بديلين للقطامين وعبيدات.