نظم شاب سوري مهرجاناً فنياً في بلدة فوفنارغ الفرنسية في لفتة منه لشكر البلدة على استضافتها والديه اللذين اتخذاها ملجأً من الحرب في سوريا.
ويقول بلال النمر لوكالة فرانس برس "وصل والداي إلى فرنسا حاملين حقيبتين عام 2016، بعد خمس سنوات على اندلاع الحرب واستضافتهما فوفنارغ بالترحاب. وأردت استخدام لغتي وهي الموسيقى الكلاسيكية، لكي أفي هذه القرية ما وفرته لعائلتي بتنظيم مهرجان فيها بمشاركة فنانين كبار".
عند سفح جبل سانت فيكتوار الذي رسمه سيزان في مجموعة من لوحاته، بالقرب من القصر الذي ووري بابلو بيكاسو في ثراه، ستصدح الألحان الكلاسيكية للمؤلفين الألمانيين لودفيغ فان بيتهوفن (1770-1827) وفيليكس مندلسون (1809-1847)، وكذلك أخرى عربية، كالسوناتة السورية الرقم 2 المينورية للموسيقي العراقي الأصل صلحي الوادي (1934-2007). ويتولى عزف هذه المقطوعات موسيقيون منفردون مشهورون والأوركسترا السمفونية الجديدة لإيكس-آن-بروفانس.
وكان بلال النمر الأول من أفراد أسرته يصل إلى فرنسا بفضل موهبته في العزف على الكمان. ولم يكن والداه موسيقيين، فوالدته خبيرة محاسبة، بينما يعمل والده في مجال البناء، وكان أيضاً حارس إنقاذ بحري في لبنان.
ويروي قائلاً "عندما كان والدي صغيراً، كانت فتاة تعزف على آلة الأكورديون وقال الأستاذ في تعريفه بها أنها مميزة". وشاء والد بلال ذات يوم أن يجرب آلة كمان موضوعة على طاولة في منزل ابن عمه، لكنه لم يستطع إصدار أي صوت منها. ويضيف الشاب "لاحقاً، في لبنان، سمع مقطوعة على كمان عبر إحدى الإذاعات، وقال: +لم أستطع تعلم الكمان، لكنّ ابني سيعزف عليه+".
وتلقى بلال في طفولته المبكرة في دمشق لعبة على شكل كمان. ثم قدم له والده هذه الآلة الوترية الجميلة. ثم التحق بدروس في العزف في مدرسة للموسيقى. ويتذكر أنه فاز "بمسابقة صغيرة" هي جهاز "ووكمان" للاستماع إلى الموسيقى لا يزال لديه. وبفضل أستاذ موسيقى رصده، التحق بمعهد صلحي الوادي ثم فاز بمسابقة دولية.
- "قصة جميلة"
وعرض عليه معلّمون فرنسيون عام 2010، وهو في الثالثة عشرة، الانتقال إلى منطقة إيكس-آن-بروفانس الفرنسية لمواصلة دراسته فيها. وبعد عام، عندما اندلعت الحرب في سوريا، عاش "الانفصال"، إذ لم ير والديه لسنوات. وما كان من بلال الذي كان يشعر بالقلق على عائلته في دمشق، ألاّ أن أنكبّ، وحده، على العمل بجدّ ومثابرة، فكان يحضر إلى المدرسة الثانوية في السابعة من صباح كل يوم ليتابع دروس العزف على الكمان لمدة ساعة، ثم ينصرف إلى حصص المواد الدراسية الأخرى، قبل أن يمضي ساعات في المساء يتدرب على آلته.
وبعدما أنهى المرحلة الثانوية من دراسته بتفوق، التحق بالمعهد الموسيقي في باريس، وتمكن من إحضار أخته إلى فرنسا، ثم والديه.
ويقول رئيس البلدية فيليب شاران "لدى وصولهم إلى فرنسا، كانوا لا يزالون في حالة ضياع، وكان لدينا في فوفنارغ مسكن فارغ متاح، فوضعناه في تصرفهم، وتولى بعض أهل البلدة تأثيثه".
واليوم، بعد ست سنوات، تعمل والدة بلال في مدرسة القرية، في حين أن والده مسؤول عن مركز التخلص من النفايات. ويلاحظ شاران أن أفراد العائلة "باتوا مندمجين كلياً" في المجتمع الفرنسي.
أما بلال، فعزف مع موسيقيين مرموقين من أمثال دانيال بارنبويم ورونو كابوسون وإيلين غريمو. وحصل على الجنسية الفرنسية عام 2021 تقديراً لمساهمته في التميز الثقافي. ويقول رئيس البلدية "لقد قدم لنا هذه الهدية المتمثلة في لقاءات فوفنارغ الموسيقية. لقد قدمنا القليل ونحصل على الكثير. إنها قصة رائعة".
ويحضر الحفلة عدد من معلّمي بلال في المدرسة سابقاً. كذلك يشارك التلاميذ الذين تعنى بهم والدته في ورشة موسيقية. ويحرص بلال الذي بدأ بتحقيق حلمه في أن يصبح عازفاً منفرداً عالمياً، على أن يكون وفياً لكل ما ساهم في انطلاقه، سواء لوطنه سوريا، أو للبلدة الفرنسية التي حضنته، أو لكل من ساعده في مسيرته. ويقول "أنا مثل الشجرة، كلما ارتفعتُ إلى العلى، باتت جذوري أكثر عمقاً".