من تَلّة مرتفعة هي الأقرب للشريط الحدودي الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، تُطلّ نقطة رصد ومراقبة تابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس، على مستوطنة نتيف هعتسرا الإسرائيلية.
وتُحاذي نتيف هعتسرا أقصى شمال القطاع ولا تبعد عن الشريط الحدودي سوى مئات الأمتار، بينما يَفصل بين نقطة الرصد وبين الجدار الفاصل عشرات الأمتار فقط.
وتَتكون نقطة الرصد والمراقبة من بُرج حديدي بارتفاع قرابة 15 متراً، تَعلوه غرفة جدرانها من الصفيح تحتوي كاميرات مراقبة ويحيط بها سلّم حديدي وتستخدمها كتائب القسام في رصد المنطقة.
ويتواجد في المكان، عدد من مقاتلي حماس العاملين في المرصد، الذين رفضوا الظهور إعلامياً أو الإدلاء بأية تصريحات.
وفي الجهة المقابلة، يُحيط بالمنطقة جدار إسمنتي إسرائيلي يَفصل بين قطاع غزة وإسرائيل، يليه سياج أمني يتضمن نقاط مراقبة للجيش مزودة بأحدث وسائل وتقنيات الرصد والمراقبة وأسلحة آلية.
وشوهد من على بُرج المراقبة بوضوح دبابات إسرائيلية وهي تجوب المنطقة الواقعة خلف الجدار.
وشكّلت نقطة الرصد، التي تُطلق عليها كتائب القسام اسم الفاتح هاجساً، وعنصر إحباط للإسرائيليين القاطنين قرب السياج الفاصل بين إسرائيل وشمال القطاع.
وفي المقابل، يشعر أنصار حماس بالنشوة ومشاعر الانتصار، بسبب قدرة حركتهم على فرض وجود البرج في هذه المنطقة الحساسة، وإعادة ترميمه بعد قصفه من قبل الجيش الإسرائيلي، السبت الماضي.
وظهر هذا من خلال مشاركاتهم وتعليقاتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الثلاثة الماضية.
** بداية إنشاء برج المراقبة
في 13 مايو/أيار الماضي، أفاق سكان نتيف هعتسرا المحاذية للسياج الفاصل شمال القطاع، على برج مراقبة حديدي شيّدته حماس على أقرب نقطة بين القطاع وإسرائيل.
وتناقلتْ وسائل الإعلام الإسرائيلية عن المستوطنين صوراً للبرج، مُبدين مخاوفهم من تمكّن مقاتلي حماس من رصد ومراقبة نشاطهم وحياتهم اليومية، وبالتالي سهولة تعرضهم للاستهداف في حال اندلاع مواجهة عسكرية.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، تضمنت تقارير إعلامية إسرائيلية مطالبات لقيادة الجيش باستغلال أية حوادث إطلاق لقذائف من قطاع غزة، باتجاه المدن والبلدات الإسرائيلية، من أجل الرد باستهداف نقطة الرصد وتدميرها.
ويبلغ عدد سكان مستوطنة نتيف هعتسرا، نحو 890 مستوطنا، بحسب مصادر إسرائيلية.
** استهداف مُخيّب
وفجر السبت الماضي (18 يونيو/حزيران الجاري)، أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض قذيفة صاروخية أطلقت من قطاع غزة باتجاه مدينة عسقلان (جنوب).
وردا على القذيفة، قال الجيش إن طائراته المقاتلة استهدفت مواقع عسكرية وورش إنتاج أسلحة داخل غزة، تابعة لحركة "حماس".
ومن بين الأهداف التي قصفها الجيش، نقطة المراقبة المذكورة بجوار "نتيف هعتسرا"، لكنه لم يدمرها بشكل كامل، حيث ظل البرج الحديدي صامدا.
ونشر الجيش مقطعاً مصوراً يظهر لحظة استهداف نقطة المراقبة، إلا أن ذلك قوبل داخلياً بردود فعل لم تخلُ من الدهشة والإحباط والسخرية، كون القصف تسبب بأضرار طفيفة للمرصد، ولم يُدمره كلياً.
وتضمنت ردود الأفعال تعليقات ساخرة للمستوطنين والإعلاميين، من قبيل: "ما هذا الهراء.. لماذا لم يتم إنزاله؟!، "واو.. هل أطلقوا عليه رصاصة مطاط؟! في نهاية اليوم سيعيدونه كما كان في السابق".
وتداول الإسرائيليون صوراً لنقطة الرصد التي ما زالت قائمة ولم تتضرر كثيراً حتى بعد الاستهداف.
** ترميم.. ورسالة تحدٍّ
وعلى الجانب الفلسطيني، أثارت التعليقات الإسرائيلية حالة من النشوة والتحدي لدى النشطاء الفلسطينيين، الذين تداولوا صوراً للمرصد، مؤكدين أن المقاومة الفلسطينية ستعيد ترميمه خلال ساعات.
وبالفعل، وخلال أقل من 24 ساعة، تداول الفلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً جديدة لنقطة الرصد بعد ترميمها وإعادة تشغيلها من قبل مقاتلي حماس، ورفع العلم الفلسطيني عليها، في رسالة تحدّ لإسرائيل.
وإمعانا في التحدي، علّق عناصر كتائب القسام لوحة جلدية على المرصد كُتب عليها بالعربية والعبرية: "يميت.. نتيف هعتسرا.. إلى خارج فلسطين قريباً.. اقترب زوالكم يا محتلون".
ويميت هي مستوطنة إسرائيلية كانت في منطقة رفح المصرية بشبه جزيرة سيناء إبان احتلالها، وأُخليت عام 1982، تنفيذا لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.
وتقول معلومات، لم يتسن التأكد من صحتها، إن سكان مستوطنة يميت، انتقلوا للسكن في نتيف هعتسرا.
كما تم تعليق لوحة كبيرة على المرصد، تتضمن صوراً للفلسطينيين الثلاثة الذين قُتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي في جنين، فجر الجمعة الماضية، كُتب عليها: "دماؤكم في أعناقنا".
وتتضمن اللوحة أيضا صورة فوزي أبو القرع، الذي كان أحد أبرز قادة "كتائب القسام" في غزة، واغتالته إسرائيل عام 2005.
وعلّق الصحفي الإسرائيلي بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، متان تسوري: "بعد ساعات من قصف الجيش للمرصد أمام نتيف هعتسرا والذي لم يُدمر كاملاً، في غزة بدأوا ترميمه، وتم تعليق الأعلام مرة أخرى عليه".
فيما قال أدير ليحاكيم، من القناة الـ 14 الإسرائيلية: "وكأن شيئاً لم يحدث، سكان نتيف هعتسرا ما زالوا مكشوفين لحماس، والجيش لا يهتم إطلاقاً كما يبدو".
من جانبه، علّق وزير الدفاع بيني غانتس، في مقابلة مع "القناة 12"، الأحد، عن سبب عدم تدمير المرصد بالكامل، بالقول إنه يتفهم "أن هذا الأمر مزعج للغاية"، مُضيفاً: "أعتقد أننا سنتعامل مع ذلك".
وقالت صحيفة يديعوت أحرنوت، الأحد، إن إسرائيل "لم تدمر المرصد، خشية قتل عناصر من حماس، ما يؤدي إلى نشوب تصعيد".
بدوره، قال أمنون زيف، مدير شعبة الأمن في المجلس الإقليمي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلامية: "هناك صورة انتصار، وهي ليست معنا".
وأضاف: "كان يجب أن يكون المرصد مسوّيا بالأرض، وليس واقفا ومرتفعا على الإطلاق، لقد قاموا بترميمه بعد أن هاجمناه ورفعوا علم حماس، نحن لسنا في وضع جيد".
** صراع استخباري
وبالمقابل، يقول حازم قاسم، المتحدث باسم حماس، إن إقامة المرصد قرب حدود غزة، يأتي في سياق الصراع الاستخباري بين القسّام وجيش الاحتلال.
وأضاف قاسم، في تصريح: "المقاومة تقوم بمجموعة من الخطوات لمتابعة تحركات جيش الاحتلال على حدود قطاع غزة، ضمن جهدها الاستخباري وتحسبا لأي عدوان من جيش الاحتلال ضد القطاع".
وقال قاسم إن إعادة بناء المرصد هو "رسالة تحدي للاحتلال مفادها أن القصف والعدوان لن يوقفا تطور المقاومة".
وذكر أن "كتائب القسّام" أرادت من تعليق اللافتات التي تتضمن صور الشبان الثلاثة الذين قُتلوا شمالي الضفة الغربية، التأكيد على أن "العدو لن ينجح في الاستفراد بساحة دون أُخرى".
** اشتباك مستمر
من جانبه، يقول الدكتور حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن استهداف المرصد يأتي ضمن حالة الاشتباك المستمر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأضاف في حديث، إن المرصد طالما شكّل حالة أرق للاحتلال بجميع مكوّناته، سواء الجيش أو المستوطنين، كونه يمكّن المقاومة من استطلاع تحركاتهم على الجانب الآخر من الجدار العازل.
وأضاف: "استهداف المرصد بهذا الشكل الجزئي، فيه رسالة أن إسرائيل لا تسعى إلى انزلاق الأوضاع الميدانية، لمواجهة واسعة".
وأرجع الدجني سرعة إعادة بناء المرصد، إلى "الحرب النفسية التي تمارسها المقاومة تجاه إسرائيل".