"كانت شاهدة وأصبحت شهيدة"، بهذه الكلمات نعى جار الشهيدة شيرين أبو عاقلة، ناصر قوس، فقيدتهم في حديث خاص مع صحيفة ديلي صباح.
وقد فجر استشهاد أبو عاقلة غضب دولي وعربي بسبب الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحافيين، كما سلط الضوء على القتل العمد للعاملين في الحقل الميداني، بحسب شهود عيان.
خلفيات الحادث:
بدموع وصدمة تروي الصحفية شذا حنايشه، التي كانت برفقة شيرين أبو عاقلة وقت سقوطها، التفاصيل المروعة التي عاشها الصحفيون قبل استشهاد زميلتهم، فقالت: "كنا نرتدي الزي الصحفي والخوذة، وجميعنا كصحفيين كنا نقف بجانب بعضنا البعض، وفجأة بدء إطلاق النار علينا بشكل مكثف لم نعرف مصدره، لكن كان هناك قناصة تعمدوا اغتيال شيرين إذ أصيبت في مكان ظاهر بوجهها".
من جانبه أضاف علي السامودي، وهو صحفي فلسطيني كان مرافقاً لأبو عاقلة، أنهم كانوا مجموعة من سبعة صحافيين، مروا بجانب القوات الإسرائيلية المتواجدة بالمنطقة لكي يعلموهم بوجود الصحافيين بالمكان لكن ذلك لم يشفع لهم، وكانوا هدفا مقصودا للقناصة الإسرائيلية، حسب تصريحاته.
وعند سؤاله عن الرواية الإسرائيلية التي تفيد بأن مسلحين فلسطينيين هم من استهدفوا شيرين، أجاب بالنفي مؤكدا أن الرصاص أُطلق من جيش الاحتلال.
شيرين الإنسانة:
يقول ناصر قواص، جار شيرين: "أعرف شيرين منذ أكثر من 30 عاما، فهي وهبت حياتها بالكامل للقضية الفلسطينية، كان لديها علاقة طيبة بكل الفلسطينيين، ودخلت الكثير من منازلهم، إنها إنسانة رائعة ومتواضعة".
وأضاف: "كانت صوت الشارع الفلسطيني، لم تنحز يوما لأي فصيل سياسي ما قذف حبها في قلوب الجميع، كانت بمثابة أخت لنا، وشاركتنا الأحزان قبل الأفراح".
وأكد أثناء حديثه لصحيفة ديلي صباح أنها رغم اتخاذها كافة الإجراءات الاحترازية إلا أن قوات الاحتلال استهدفتها.
الصحفية الفلسطينية ليندا شلش تتذكر مواقف كثيرة جمعتها مع أبو عاقلة، تقول: "شيرين إنسانة رائعة بكل المقاييس، ورغم عملها مع قناة الجزيرة أكبر قنوات الوطن العربي، لكنها كانت متواضعة للغاية، لذلك فرضت على الجميع حبها واحترامها، هي نموذج فذ لن يتكرر أبدا".
واستدركت: "في بداية عملي الميداني كنت خجلة للغاية، ولا أعرف كيف أتعامل مع الزملاء الآخرين، إلا أن أبو عاقلة بادرت وشجعتني على الإنغماس في الميدان".
وأضافت شلش أنها عملت على مدار 9 سنوات بالميدان مع أبوعاقلة بالضفة الغربية، مشيرة إلى أن الشهيدة مثال للصحفي المحترف الشجاع، وأنها تمثل ذاكرة فلسطين، حيث غطت الأحداث على مدار أكثر من عقدين من الزمان.
وأردفت ليندا بصوت يشوبه الألم: "بالتأكيد سنفتقد صوتها وتقاريرها".
حياة الصحفي الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي:
وأكدت شلش أنها لم تشعر أبداً بالأمان خلال عملها بلأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرة إلى أنهم كانوا يتعرضون بشكل دائم إلى مضايقات واعتداءات بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي من القوات الإسرائيلية، لافتة إلى تعرض آخرين من زملائها للرصاص الحي.
وأضافت: "دائما ما يشعر الصحفيون في فلسطين أنهم على وشك الموت، وهذا ما كانت تتحدث عنه دائما شيرين، وللأسف كان حدسها صحيح".
من جهتها أفادت الصحفية الفلسطينية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، مجدولين حسونة، أن الصحفي مستهدف قبل قوات الإحتلال الإسرائيلي باستمرار.
وأضافت في حديثها مع ديلي صباح: "نحن نعيش في ظل خوف كبير، في كل تغطية نذهب إليها لدينا احتمالات كبيرة بعدم العودة، فهناك عدة سيناريوهات بانتظار الصحفي الفلسطيني، من بينها القتل كما حدث مع 45 صحافيا استشهدوا خلال الانتفاضة، بينهم 16 صحافيا قتلهم الاحتلال في حربه عام 2014 على غزة".
وأردفت: "بينما سيناريو الاعتقال أصبح الآن هو الرائج، ويمثل أكبر تهديد للصحافيين خاصة الاعتقال الاداري (أي أن يقوم الاحتلال باعتقال الصحفي دون تهمة، بزعم وجود ملف سري لا يستطيع أحد الاطلاع عليه) وهذا ما حدث مع عشرات الصحافيين".
وأشارت حسونه إلى وجود أكثرمن 20 صحفي وصحفية معتقلين في سجون الاحتلال، بينهم 8 تحت بند الاعتقال الإداري.
ولفتت الصحفية الفلسطينية إلى أنها تعرضت بشكل شخصي للمنع من السفر دون تقديم محكمة الاحتلال أسباب.
مستقبل الصحفيين بعد اغتيال أبو عاقلة:
وذكر ناصر قواص، جار شيرين، أن الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين مستمرة منذ زمن بعيد، في كل مكان سواء بالضفة الغربية أو القدس أو غزة، وأن هناك استهداف واضح بخاصة للصحفيين الذين ينقلون الحقيقة ويفضحون جرائم إسرائيل.
وأردف: "استشهاد شيرين وحد العالم أجمع، وأظهر الوجه الحقيقي للاحتلال وجرائمه التي يرتكبها بحق الفلسطينيين، وجميعنا رأينا استمرار الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي على الصحفيين أثناء محاولة إنقاذ أبو عاقلة".
وأضاف: "استشهاد شيرين لن يغير شيئاً سياسيا لأن كل الانتهاكات تحدث على مرأى ومسمع أمريكا والاتحاد الأوروبي وما زالوا صامتين".
أما مجدولين حسونة، فأكدت أن التفاعل مع قضية إعدام صحفية الجزيرة سيكون وقتي كما حدث في معظم القضايا، مشددة على أنه يجب التحرك على مستوى رسمي عالي، وإلا ستكون شيرين مجرد رقم يضاف إلى قائمة الشهداء الصحافيين وسيظلوا هم تحت تهديد الاحتلال.
واعتبرت حسونة أن إعدام شيرين ميدانيا ما هي إلا رسالة واضحة من قوات الجيش الإسرائيلي إلى الصحافيين الآخرين مفادها ألا يقتربوا منهم، قائلة: "ربما لم تكن شيرين هي الهدف في حد ذاتها، ولكن الهدف كان قتل الصحافة وإسكات صوت فلسطين".
ويوم الأربعاء أعلنت شبكة قناة الجزيزة استشهاد أبو عاقلة وهي واحدة من أبرز مراسليها في فلسطين.
وتبلغ شيرين 51 عاماً، وتعود أصولها لأسرة فلسطينية مسيحية، وفي تسجيل إعلامي سابق قالت شيرين إن الهدف من دارستها للصحافة هو أن تكون بجانب الإنسان وأن تنقل الحقيقة.
