خبراء: قيس سعيد يتجه لإلغاء الدستور دون التصريح بذلك
- وكالة الأناضول للأنباء, تونس
- Sep 23, 2021
رأى خبيران أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، يتجه إلى إلغاء دستور 2104 من دون إعلان ذلك صراحة؛ مراعاة لمساندين له في الداخل يتمسكون بالدستور، وخشية من تداعيات احتمال توصيف الخارج لتونس "دولة انقلابية".
وفيما يشير خبراء إلى تغير مواقف أحزاب ومنظمات من قرارات سعيد الاستثنائية، مرجحين تشكل جبهة داخلية للتصدي لما وصفوه بالانقلاب، يقلل خبراء آخرون من قدرة المعارضة الداخلية على إيقاف خطة الرئيس سعيد.
والأربعاء، أعلنت الرئاسة وجريدة "الرائد" الرسمية عن تدابير مؤقتة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية، واعتبر مراقبون أنها تعزز صلاحيات سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، على حساب البرلمان والحكومة، ضمن أزمة سياسية حادة تعانيها البلاد.
وأفادت الرئاسة، في بيان، باستمرار تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب (البرلمان)، ورفع الحصانة عن نوابه، وأن الرئيس سيتولى إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية، بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي.
وأكدت مواصلة العمل بتوطئة الدستور والبابين الأول (المبادئ العامة) والثاني منه (الحقوق والحريات) وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع تدابير سعيد الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين.
فيما أعلنت الجريدة الرسمية عن "إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية"، وأن "يمارس الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة".
وبالأساس، كانت السلطة التنفيذية في يد الحكومة حتى بدأ سعيد، في 25 يوليو/ تموز الماضي، تدابيره الاستثنائية بتجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة رئيس الحكومة، هشام المشيشي.
** الدستور مُعلق
وقال طارق الكحلاوي، أكاديمي وخبير سياسي، إنه "من طريقة تطبيق الفصل 80 من الدستور هناك تأويل تمّ تسميته بالمتعسف على الدستور".
وأضاف أن "الرئيس يعتقد أنه يمكن تعديل الدستور بإصدار أحكام انتقالية، تحت إطار الفصل 80، في إطار التدابير الاستثنائية التي تعلق تقريبا أجزاء كاملة من الدستور والإبقاء على بقية الفصول المتعلقة بالحقوق والحريات".
واعتبر أن "الرئيس متمسك شكليا، أو على الأقل على المستوى الرسمي، بالحفاظ على الدستور".
ورأى أن هذا "عملياً تعليق للدستور لأن تعليق أجزاء خاصة بالسلطة التنفيذية في إطار أحكام انتقالية يعني ضمنيا تعليق الدستور".
** الرئيس "متناقض":
كما ذهب جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري، إلى أن "خطاب الرئيس لأنصاره وأتباعه ومريديه والناس الذين يدفعون به للذهاب للأقصى يوضح أنه مصمم على إلغاء الدستور ".
واعتبر "بن مبارك"، أن "الرئيس متناقض، فهو يقول إنه متمسك بالدستور ويتحرك في إطاره ويستغرب كيف نسميه انقلابا، ويتحدث في الخطاب نفسه عن أحكام انتقالية".
وأردف أن "الأحكام الانتقالية ستنظم على الأقل السلطة التنفيذية، وعمل رئاسة الجمهورية والحكومة وعلاقة رئيس الجمهورية بالحكومة وعلاقة الحكومة بالسلطة التشريعية، مما يعني أنه علق أو ضرب تقريبا نصف الدستور.. باب السلطة التشريعية وباب السلطة التنفيذية بنصفيها (الرئاسة والحكومة)".
وشدد على أن "هذا اعتداء على الدستور، ولا ندري كيف لرئيس الجمهورية أن يبقى محترما للدستور في حين أنه يخرق نصفه".
وتابع: "رئيس الجمهورية تحدث عن مشروع قانون انتخابي جديد، واستعمل عبارة مشروع قانون، يعني سيستعمل صلاحية المبادرة التشريعية التي نص عليها الدستور".
وأضاف أن "مشروع قانون يعني أنه سيُعرض على مجلس النواب للمصادقة، وهذا غير واضح؛ لأن تعليق باب السلطة التشريعية بأحكام انتقالية يعني أننا سنمشي في مسارات تشريعية مختلفة".
ورجح "بن مبارك" أن "سعيد ربما يقصد أنه سيمرر مشروع قانون بمراسيم، لكن الدستور ينص على أن القانون الانتخابي لا يدخل في مجال المراسيم، فكيف سيعطي لنفسه سلطة المراسيم، وكيف سيصدر قانون انتخابي بالمراسيم وهي محجرة دستوريا (؟).. كل هذا ويقول إنه سيبقى محترما للدستور".
** نظام رئاسي:
واعتبر الكحلاوي أن "النقاش حول هل خرج سعيد من الدستور أم لا هو نقاش دستوري وليس سياسيا، ما يهم أكثر هو أنه متمسك شكليا بالحفاظ على الدستور لأسباب أساسا سياسية؛ لأنه يعرف أن هناك في الداخل أشخاص تسانده أو تتقاطع معه متمسكة بالدستور".
وأردف: "على المستوى الخارجي الأمر مهم، لأن سعيد توجه أكثر من مرة للخارج في خطابه في (ولاية) سيدي بوزيد، فالخروج عن الدستور سيطرح إشكالية سياسية، وسعيد يعرف أن الموضوع سيطرح في الخارج إشكالا ولغطا".
وتابع من "الناحية السياسية هو في حاجة إلى الإبقاء على الإطار الدستوري الحالي، ولكن عمليا يحتاج إلى أحكام انتقالية للتحكم في الحكومة، لذا سنعيش في فترة نظام رئاسي إلى حدّ إجراء استفتاء على الدستور ".
واستطرد: "سعيد لا يريد نظاما رئاسيا فقط، بل "نظام رئاسي مجالسي"، وهو خليط من النظام الرئاسي على الطريقة الأمريكية أي يشكل الرئيس الحكومة، ونظام مجالسي ليس انتخابات، بل المجالس المحلية تصعّد إلى البرلمان".
ومتفقا مع الكحلاوي، ذهب ابن مبارك إلى أن سعيد يولي اعتبارات للخارج في تنفيذ برنامجه.
وقال إن "سعيد وجه خطابا للخارج، وصرخ عديد المرات أنه لن يلغي الدستور؛ لأن الضغوطات عليه قوية خارجيا، ولأنه يعرف أن إلغاء الدستور سيؤدي إلى تصنيف تونس دولة انقلابية وحكومة الأمر الواقع".
وزاد بأن "هذا له تبعات قانونية ومالية واقتصادية، بالتالي طمأن (سعيد) الأنصار أنه ذاهب في الانقلاب، وفي نفس الوقت طمأن الخارج أنه لن يذهب في الانقلاب أكثر، فكان خطابا غريبا مليئا بالتناقضات".
** السلطة التنفيذية بأكملها:
ووفق الكحلاوي، "سيعمل سعيد، عبر أحكام انتقالية، على تجاوز الطريقة القديمة في تسيير الدولة برئيس جمهورية يختص فقط بالدفاع والخارجية، ورئيس حكومة له بقية الاختصاصات".
وتابع: وبالتالي "يضمن سعيد تسيير السلطة التنفيذية بأكملها ويضمن أن من سيعينه رئيس حكومة له صلاحيات محددة".
واستطرد: "أما إذا عَيَّنَ رئيس الحكومة بالصلاحيات القديمة فيمكن ألا يكون تحت السيطرة الكاملة لرئيس الجمهورية.. لكن بالأحكام الجديدة سيضمن أن يكون رئيس الحكومة تحت توجيه الرئيس".
** موقف المعارضة:
وحول مدى قدرة المعارضة على مواجهة خطة سعيد، قال الكحلاوي إن "سعيد بدا حاسما في توجهاته خلال خطابه في سيدي بوزيد.. هو لم يذهب في اتجاه التراجع، والمرحلة الانتقالية وجودية بالنسبة له، وهو غير مستعد لترك أي جزء من السلطة منفلتا عنه، وقد اقترح صيغة أنه لا يلغي الدستور بل فقط أحكام انتقالية".
وأضاف: "على مستوى موازين القوى السياسية، الطرف الرئيسي الذي يمكن أن يتخذ مواقف هو الخارج، وفي الداخل ميزان القوى لصالحه (سعيد) على مستوى أجهزة الدولة والشارع".
ورأى أن "الأطراف السياسية قلقة من أنها لا تعرف تفاصيل المرحلة الانتقالية أكثر منه رفضا لتوجهات سعيد، وفي الوقت الذي يلتقي معها تلين هذه المواقف. وهو واضح في أنه لن يتحدث مع حركة النهضة".
و"النهضة" هي صاحبة أكبر كتلة في البرلمان بـ53 نائبا من 217، ورئيسها راشد الغنوشي هو رئيس البرلمان، الذي جمد سعيد اختصاصاته.
إلا أن ابن مبارك يختلف مع الكحلاوي في تقدير قدرة المعارضة الداخلية على التأثير على مستقبل تونس.
وقال إن "المناخ العام بدأ يتغير منذ أيام، أحزاب وازنة، منها أحزاب كانت داعمة لقرارات سعيد بشكل أعمى، بدأت تصدر بيانات شديدة اللهجة، وهذا سيتواصل كلما توغل الانقلاب في انقلابه".
وتابع: "أيضا هوى المنظمات الوطنية بدأ يتغيّر، مثل اتحاد الشغل (أكبر نقابة عمالية)، فتصريحات أمينه العام نور الدين الطبوبي المتتالية، خاصة خطاب الثلاثاء، توضح أنه توجد قطيعة بين المنظمة العمالية والرئيس".
واستطرد: "في 18 سبتمبر (وقفة بالعاصمة رافضة لقرارات سعيد) التاريخ بدأ يتحرك، وإن كان بشكل رمزي، وهذا التحرك مرشح أن يتواصل، وهو مؤشر على أن الرئيس لم يعد يحتكر القول السياسي.. وستقع تفاعلات في الأيام والأسابيع نحو بناء جبهة داخلية للتصدي للانقلاب".
** مغامرة محتملة:
ورجح ابن مبارك أن "تتجه الأمور في البلاد إلى التعقيد، فالانقلاب ليس له أفق إلا إسقاط البيت على الجميع، فبعد شهرين (من بدء التدابير الاستثنائية) الرئيس في مأزق حتى بشأن تشكيل الحكومة".
ورأى أن "المشكل هو في مسار تشكيل الحكومة، كيف سيتم إضفاء الشرعية على الحكومة، الدول الأجنبية والاتحاد الأوروبي يطلبون حكومة شرعية، بما يعني أنها تمر بالمسار الدستوري حتى يمكن أن تُلزم وتلتزِم على المستوى الدولي".
واعتبر أن "هذا يفترض عودة البرلمان للعمل، ورئيس الجمهورية رافض لهذا، بالتالي معطل لتشكيل الحكومة، خوفا من ألا يتم الاعتراف بها دوليا، وهذا مأزق من كل الجوانب".
وختم بأنه "ربما يذهب الرئيس في مغامرة ألا يستمع لأحد من الداخل أو الخارج، ويذهب باتجاه تنفيذ تصوراته، مما يخلق أزمة خانقة وربما تطورات كارثية على البلاد، وحتى ربما على رئاسة الجمهورية فيما بعد".