وعد جو بايدن في حملته الانتخابية لترشحه للرئاسة، بعزل السعودية على خلفية مقتل الكاتب السعودي المعارض جمال خاشقجي عام 2018.
لكن عندما حان الوقت لمعاقبة ولي العهد السعودي على أرض الواقع، رجحت كفة المصالح الاستراتيجية لأميركا.
فقد أوضحت إدارة بايدن يوم الجمعة الماضي أنها ستتخلى عن فرض عقوبات كبرى أخرى على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بسبب مقتل خاشقجي، حتى بعد التقرير الاستخباراتي الأمريكي الذي خلص إلى أن الأمير هو من أصدر أمرا بالقضاء على الكاتب المعارض.
القرار يسلط الضوء على الكيفية التي تصطدم بها القرارات الدبلوماسية مع الشعارات الأخلاقية على أرض الواقع.
وليس هناك مثال أوضح على هذا التضارب كعلاقة الولايات المتحدة المعقدة مع الدولة العملاقة في مجال النفط، والعميل الذي يشترى الأسلحة الأمريكية بسخاء، والتي تعد أيضا مركز الثقل الموازن لإيران في الشرق الأوسط.
قال نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، أمس الاثنين - عندما سئل عن تراجع بايدن عن وعده بعزل السعوديين بسبب مقتل خاشقجي - "لا يمكن إنكار أن المملكة العربية السعودية دولة ذات نفوذ كبير في العالم العربي".
وفي النهاية، قال مسؤولو إدارة بايدن إن المصالح الأمريكية في استمرار العلاقات مع السعودية تحظر جعل الأمير الشاب منبوذا، خاصة أنه قد يستمر في حكم المملكة لعقود.
هذا يتناقض بشكل صارخ مع وعد حملة بايدن بجعل المملكة "تدفع ثمن" انتهاكات حقوق الإنسان، و"جعلها منبوذة في الواقع."
"تحدثنا عن هذا من حيث إعادة تقويم العلاقات. إنها ليست قطيعة"، وفقا لما قاله باريس عن العلاقات الأمريكية-السعودية.
لكن ما تسميه إدارة بايدن "إعادة تقويم" العلاقة الحميمة للرئيس السابق دونالد ترامب مع أفراد العائلة المالكة السعودية يشبه إلى حد كبير الموقف الأمريكي العادي: "التوبيخ بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، لكن عدم السماح لتلك المخاوف بالتدخل في العلاقات".
ورد مسؤولو إدارة بايدن خلال الأيام الماضية على الانتقادات الشديدة لفشلهم في معاقبة الأمير بالإشارة إلى "الإجراءات الأمريكية" التي تستهدف مساعديه من ذوي الرتب الدنيا.
وتشمل هذه الخطوات ضد ما يطلق عليها "فرقة النمر" التابعة للأمير، التي يُزعم أنها سعت إلى البحث عن منشقين في الخارج.
كما فرضت واشنطن عقوبات عليهم، وحظرت تأشيرات للمسؤولين السعوديين الذين شاركوا بشكل مباشر في قتل خاشقجي وتقطيع أوصاله.
كما خففت الولايات المتحدة لهجتها، حيث أشار مسؤولو بايدن إلى المملكة كـ "شريك استراتيجي بدلاً من كونها دولة منبوذة."
من جانبه، قال ترامب يوم السبت الماضي إن موقف بايدن من الأمير السعودي "لم يكن مختلفا تمامًا عن موقفه هو."
وصرح ترامب لشبكة (فوكس نيوز) أن مقتل خاشقجي على يد مسؤولي أمن واستخبارات محمد بن سلمان كان "أمرا سيئا."
وأضاف "لكن علينا أن ننظر إلى الأمر بشكل شامل. يبدو أن بايدن يشاهد الوضع بطريقة مماثلة."
وعزز بن سلمان، 35 عاما، سلطته في المملكة منذ أن جلس والده، الملك سلمان المريض والبالغ من العمر 85 عاما، على عرش البلاد عام 2015.
ثم أطلق الأمير بعد فترة وجيزة حربا شرسة على اليمن المجاور، ما أدى لتعميق الجوع والفقر في ذلك البلد.
كما قاد حملة لحصار قطر اقتصاديا انتهت مؤخرا، ودعا رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري لزيارته في الرياض واعتقله دون سابق إنذار.
وأسكت بن سلمان المجتمع المدني في الداخل، وأودع كتابا ورجال دين ورجال أعمال ومدافعين عن حقوق المرأة السجون.
كما اعتقل وعذب أفرادا في العائلة المالكة، ويُزعم أنه شكل فرقة مهمتها إغراء أو اختطاف المعارضين في المنفى لمواجهة المزيد من العقوبات.