قصفت مليشيات حفتر خلال 72 ساعة فقط من الأسبوع الماضي، ثلاث مرات، مستشفى "الخضراء العام"، في حي أبو السليم الشعبي بالعاصمة، والمخصص لمرضى كورونا، بحسب وزارة الصحة الليبية.
وتسبب القصف بتدمير مخازن الأدوية بما فيها من معدات الحماية والوقاية من الفيروس، وقاعة للعمليات، وأقسام أخرى، وأصابت طواقم طبية، مما دفع الأمم المتحدة للتعبير عن "صدمتها"، بحسب بيان للمنسق الأممي للمساعدات الإنسانية بليبيا يعقوب الحلو.
ومَكمَن الصدمة، أن الأمم المتحدة والسلطات الصحية بليبيا في "سباق مع الزمن"، استعدادا لمواجهة هذا الوباء العالمي قبل استفحاله في البلاد.
واستهداف ميليشيات حفتر لمستشفى الخضراء من شأنه عرقلة هذه الجهود لمواجهة كورونا علاوة على أنه عمل جنوني وغير مسؤول أمام حجم وخطورة الوباء الذي يهدد العالم بأسره.
وإن في إصرار هذه المليشيات على قصف المستشفى، يوحي أن حفتر ليس مباليا لا بخطورة انتشار الفيروس في البلاد، ولا حتى بجنوده.
فتوالي هزائم حفتر العسكرية في ميادين القتال، يدفعه لاستخدام جميع أوراقه التي يمتلكها بأسلوب ميكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة) بدء من عرقلة أنصاره تصدير النفط، وقطعهم المياه العذبة عن المدن الغربية، ثم قطع الكهرباء عن طرابلس وعدة مدن بالمنطقة، وصولا إلى عرقلة جهود مكافحة الوباء.
وأغرب ما في الأمر أن حتى المدن التي تدعمه تضررت هي الأخرى من "سياسة الأرض المحروقة" التي يشنها حفتر، بمنطق "أنا وبعدي الطوفان"، مما يهدد البلاد بكوارث لا حصر لها، إن لم يوضع حد لعدوان مليشياته على طرابلس وسيطرتها على منابع النفط والمياه ومحوّلات الكهرباء، وتلويحها بإمكانية استعمال كورونا كسلاح بيولوجي، من خلال عرقلة جهود مواجهته.
مغول ليبيا:
وبوعي أو بدونه، يوشك حفتر أن يتسبب في "حرب بيولوجية" من خلال استهدافه المتكرر لمستشفى مخصص لمرضى كورونا، خاصة وأن ليبيا التي لم تسجل أي حالة من الفيروس إلا في 24 مارس/آذار الماضي، تُحصي حاليا 25 إصابة ووفاة واحدة و8 حالات شفاء، ولا أحد يدري ماذا سيجري في المستقبل.
لكن ما سجله التاريخ خير عبرة، عندما استخدم الزعيم المغولي جاني بيج، أحد أفراد سلالة جينكيز خان، جثث جنوده التي انتشر بها الطاعون، كسلاح قذف به خلف أسوار مدينة "كافا" الإيطالية، التي حاصرها عام 1347م في طريقه لغزو أوروبا.
نجح القائد المغولي في نشر الوباء في المدينة وإضعاف دفاعاتها، لكن جيشه هو الآخر فتك به الوباء، ولم يعد هناك معنى لدخول "كافا" الموبوءة ولا حتى غزو أوروبا التي عمّها الطاعون، بعد أن انتقل إلى روما ثم باريس، فقد مات أكثر من نصف سكان معظم حواضر القارة العجوز، بسبب الوباء الذي امتد إلى جميع قارات العالم القديم.
وإذا لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف جنون حفتر، فقد لا يقتصر انتشار كورونا في طرابلس فقط، بل قد يمتد إلى جميع مدن البلاد، وقد يفاقم الوضع في دول الجوار، لأن المعركة ضد فيروس كوفيد 19، قضية الإنسانية جمعاء، وأي تهاون معها في أي نقطة من العالم قد يدفع الجميع ثمنه.
وخرق حفتر المتكرر لهدنة كورونا، أثبت أنه لا يلتزم بكلمته ولا يقدر العواقب الخطيرة لهذا الفيروس الذي حصد لحد الآن حياة أكثر من 100 ألف شخص في قارات العالم الخمس.
حتى أن موقع "ذا هيل" القريب من الكونغرس الأمريكي، دعا إلى عدم المراهنة على حفتر في إيجاد حل سياسي للنزاع، وقال "حان الوقت للإقرار أنه لا يوجد حل دبلوماسي مع حفتر، ويجب على المجتمع الدولي ألا يستمر في ملاحقة مثل هذا الممثل المتعنت.. وإذا لم يكن تفشي كورونا كافيًا لإيقاف الحرب الأهلية في ليبيا، فمن الصعب تخيل ماذا سيحدث".
ورغم أن القانون الدولي الإنساني يحرم استهداف الطواقم الطبية زمن الحرب، إلا أن مليشيات حفتر لم تتوان في استهداف المرافق الصحية، لإضعاف جبهة أعدائها، وحتى لا يقف الجرحى مجددا على أرجلهم، ويواجهوا الحكم العسكري الذي يسعى جنرال الشرق لفرضه على الشعب الليبي.
فمنذ أبريل/نيسان 2019، فقط، تسبب عدوان حفتر على طرابلس في تضرر 61 مرفقا صحيا، 14 منها أغلق كليا، واستهداف 26 سيارة إسعاف، ما تسبب في مقتل 13 طبيبا ومسعفا، وإصابة 36 آخرين، بحسب المركز الإعلامي لبركان الغضب.
وآخر هذه الهجمات استهداف مخازن الأدوية بمنطقة السواني (35 كلم جنوبي طرابلس)، السبت، بصواريخ غراد.
وهذه الأرقام تعكس كيف حوّل حفتر المرافق الصحية وكوادرها إلى هدف عسكري لمليشياته، مما يضع البلاد بكاملها أمام تحدٍ حقيقي في حالة تفشي الجائحة.