الحرب الليبية..  لا ربح فيها ولا خسارة لأي طرف على طرف

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 16.08.2019 17:25
الصراع الليبي الليبي لا منتصر فيه ولا مهزوم من الأرشيف الصراع الليبي الليبي لا منتصر فيه ولا مهزوم (من الأرشيف)

لقد تضاءل الأمل في تأسيس حكومة مدنية،تعجّل الإصلاحات الاقتصادية الضرورية وتضمن الاستقرار السياسي في ليبيا، بسبب الصراع الداخلي المسلح الذي يذكيه التدخل الإقليمي والدولي.

خاص القسم السياسي لصحيفة ديلي صباح (daily sabah).

في السابع عشر من فبراير 2011، خرج الليبيون الذين كانوا على مدى 21 عاماً خاضعين للقبضة الحديدية للعقيد معمر القذافي إلى الشوارع مطالبين بحقوقهم الإنسانية الأساسية.

كانت انتفاضتهم ضد العقيد جزءً من الربيع العربي، وهو ظاهرة سياسية اجتاحت بعض الدول العربية التي يسيطر عليها مستبدون، بما فيهم تونس والجزائر ومصر وسوريا. ومع ذلك وبعد مرور أكثر من ثمان سنوات استحال الأمل في الحرية السياسية والحكم المدني وحقوق الإنسان الأساسية إلى شيء كئيب. فلا تزال أغلب هذه الدول تعاني إما من حروب أهلية شرسة، أو من عدم استقرار سياسي. وليبيا ليست استثناء.فعلى مدى الأربع سنوات الماضية غاصت البلاد في مستنقع صراع مسلح. وفي هذا الصراع بين الليبيين، من الصعب وجود رابح، فهو كما يراه البعض حرب بالوكالة وتصادم بين العديد من المصالح الدولية.

"فبعض الدول الإقليمية لا يسرها قيام حكم ديمقراطي في ليبيا؛ فهم يحاولون فرض دكتاتورية عسكرية في بلدنا" كما صرح رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري لصحيفة صباح اليومية خلال لقاء في مكتبه. وأشار بوضوح للدعم السافر لجيران ليبيا لتأسيس نظام عسكري غير ديمقراطي في البلاد، مبيناً أن الحكم العسكري غير الديمقراطي هو وحده الذي يمكنه أن يخدم المصالح الأجنبية".

لقد تم حجب حلم الليبيين في حكومة مدنية بصراع مسلح بين الحكومة في طرابلس، المعترف بها من الأمم المتحدة عبر اتفاقية الصخيرات التي وقعتها مختلف الفصائل السياسية في المغرب في ديسمبر 2011 ، والحكومة المنافسة في طبرق التي تدعم الجنرال المتقاعد الذي نصب نفسه، خليفة حفتر. فتضعضعت الدولة التي آلت إلى حالة من عدم الاستقرار بسبب الانشقاق بين الحكومتين المتنافستين، اللتين عجزتا حتى عن الاقتسام السليم للموارد.

أحد أسباب الحرب الأهلية الليبية التي طالت والفشل في تأسيس حكومة مستقرة هو مراكز القوى المتفرقة في البلد، حيث يوجد عدد ضئيل من اللاعبين الوطنيين، بينما الغالبية العظمى هي مجموعات محلية، وبالتحديد قبائل وميليشيات. ومنذ 2011، انقسمت القوة السياسية بين حكومتين متنافستين في طرابلس وطبرق، حصلت الأخيرة على اعتراف المجتمع الدولي قبل تأسيس المجلس الرئاسي في ديسمبر 2011 من خلال الاتفاق السياسي الليبي. والبلد الآن ممزق بين حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها المجلس الرئاسي، ومجلس النواب الموجود في طبرق.

وقد توقفت الجهود الرامية إلى استثمار الإصلاحات الملحّة بالتوازي مع الاستقرار السياسي والاقتصادي بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في مايو 2011 حينما أفلح حفتر في إقناع الداعمين الأجانب بمحاربة إرهابيي داعش في بنغازي، ثم مدد هجوماته ليصبح عدواناً يجتاح الدولة بكاملها. وباستحواذه على أغلب الأراضي الليبية في الشرق والجنوب، مدعوماً عسكرياً وسياسياً من قبل روسيا ومصر والإمارات والسعودية وفرنسا، يخوض حفتر الآن حرباً ضد قوات حكومة

الوفاق بهدف السيطرة الكاملة على البلاد وتأسيس نظام عسكري لا يختلف عن نظام القذافي.

ورغم الدعم الظاهري لحكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة، فقد تعرض موقف فرنسا المثير للجدل في أرض المعركة والدعم السياسي لتمكين حفتر وجعله لاعباً شرعياً للنقد من رئيس وزراء الوفاق فايز السراج وسياسيين ليبيين آخرين.

وقد أدت وفاة ثلاثة عسكريين فرنسيين مخفيين في حادث طائرة عمودية في ليبيا في 2011 إلى فضحٍ استثنائي لتواجدها السري في العمليات التي تدور بالبلاد. وهناك لاعبٌ وحيد لا يزال موقعه في الصراع الليبي مصدراً للتعجب في البلاد وهو الرئيس الأمريكي دونالد ترمب. وقد أفصحت تقارير سابقة عن مكالمات عديدة أجراها ترمب مع حفتر . كما عبر مسؤول في المجلس الأعلى للدولة الليبية عن قلقه من أي دعم قد يتلقاه حفتر من ترمب. فمن خلال هذا الدعم الواسع يطمح حفتر إلى تحطيم حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة وتأسيس نظام عسكري.

وبعد أن أقنع داعميه الدوليين أنه سيستولى على العاصمة خلال ثمانٍ وأربعين ساعة، شن الجنرال المارق هجوماً على المدينة في الرابع من أبريل، لكنه جوبه بدفاع واسع من القوات الحكومية، وعلى وجه الخصوص من ميليشيات مصراتة. وقد بدأ هجوم طرابلس في الواقع قبل أسبوعين من بدء مفاوضات سلام برعاية الأمم المتحدة كانت تهدف إلى تأمين استقرار سياسي وتسريع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية.

"لقد استهدفت طرابلس بهذه الحرب لأن حفتر كان منقلباً على الإصلاحات المالية وعلى الموارد البشرية الليبية. لقد دمرت الحرب عملية إعادة التأسيس الليبية" وفقاً لرئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

وفي تقييم للدمار الاجتماعي الذي سببته الحرب، أشار المشري إلى أن الحرب سببت هوة كبيرة بين الليبيين، ولا زالت وسائل الإعلام الدولية تعمّق هذه الهوة الاجتماعية . وقال: "لا يوجد طرف منتصر في هذه الحرب لأنها حرب بين المواطنين الليبيين الأشقاء".

وفي توضيحه للمزيد من التكلفة الاجتماعية والإنسانية للحرب، لفت الأنظار إلى الأعداد المتزايدة للنازحين وأكد المشري أن أكثر من 100,000 شخص أجبروا على النزوح من بيوتهم. بعض هؤلاء لجؤوا إلى منازل أقاربهم، في حين تم تسكين البعض الآخر في المدارس أو المراكز. إلا أن وزارة التعليم الليبية بدأت في إخلاء المدارس للحفاظ على سير السنة الدراسية. في بداية شهر يونيو صرحت بعثة منظمة الصحة العالمية إلى ليبيا بأن الحرب في طرابلس أدت إلى مقتل 1,048 شخصاً، من بينهم 212 مدنياً، وجرح 5,558 آخرين. كما أوضحت الأمم المتحدة في الشهر الماضي الوضع المتدهور للنازحين محلياً.

خطة الأمم المتحدة في ليبيا لا تشتمل على قرارات:

كما أكد المشري أن خطة ممثل الأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، ذات المراحل الثلاث التي اقترحها على مجلس الأمن الدولي لا تتعامل مع واقع البلاد وأن تصريحاته التي تهاجم قوات حكومة الوفاق غير صحيحة. كما بين أن اجتماع سلامة بحفتر سبب تذمراً في أوساط الليبيين الذين تظاهروا احتجاجا أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في طرابلس، للمطالبة بطرد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا. وحمل المحتجون لافتات تقول "ارحل يا سلامة"، و أخرى تقول: "سلامة يفرض المجرمين على الشعب الليبي".

في التاسع والعشرين من يوليو 2011 ، قدم مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا خطة سلام ذات ثلاثة أقسام للدولة الشمال أفريقية التي تعصف بها الصراعات لإحضار الأطراف المتحاربة إلى العملية السياسية من جديد . وتشمل الخطة هدنة بين الأطراف المتحاربة خلال عيد الأضحى- من 2 إلى 22 أغسطس- متزامنة مع تدابير لبناء ثقة، مثل تبادل الأسرى.

والخطوة الثانية مؤتمر دولي رفيع المستوى للاتفاق على التزام بإنهاء العنف وفرض القانون الدولي والإنساني على المتحاربين . في حين تكون الخطوة الثالثة إعادة تفعيل المؤتمر الوطني المقترح، على هيئة اجتماع دولي لليبيين المؤثرين لمناقشة الأمور السياسية والأمنية والاقتصادية. إلا أن المشري أكد على أنه لكي تتم أي هدنة، يتوجب أولاً أن تعود ميليشيا حفتر إلى المكان الذي انطلقت منه، في شرق البلاد، وقال: إذا لم يتم ذلك، فإن المزيد من العدوان سيكون كارثة على البلاد".

وصرح رئيس المجلس الأعلى بشكل قاطع أن المجتمع الدولي لا يهتم إن طال الصراع في ليبيا، حيث يزهق المواطنون أرواح بعضهم. ولكن اهتمامهم الأساسي يتمحور في إيقاف الهجرة من الدول الأفريقية إلى بلدانهم، والتحكم في تدفق النفط وتجارته. ورغم أن الإنتاج الليبي للنفط، الذي انخفض إلى 221 ألف برميل يومياً هذا الشهر من 2.1 مليون في شهر يونيو، قد لا يؤثر بشكل كبير على حركة السوق، إلا أنه يتواجد في موقع مهم بالنسبة لأسواق الطاقة.

الضغط على الليبيين لإرغامهم على الوصول إلى حل:

كما أشار عماد البناني، عضو في حزب العدالة والبناء الليبي الذي أسس سنة 2011 كجزء من جهود الديمقراطية في البلاد، أشار هو الآخر إلى أن الليبيين لا يخوضون حربهم الخاصة بهم، ولكن حرباً للآخرين. وتساءل "من المستفيد من الحرب؟ إن التدخل الدولي والإقليمي لا يزيد الوضع إلا تفاقماً".

وفي إشارة إلى التوقف الحالي في المجالين السياسي والعسكري، قال البناني: "إنها ليست حربا يمكن فيها لأي من الطرفين أن ينال النصر . فالأطراف الدولية تمارس ضغوطاً كبيرة على الليبيين لحملهم على القبول بأي حل تقدمه". وأضاف "ولكن الليبيين يهدفون إلى الشعور بأن بإمكانهم أن يكون لديهم القوة لتسيير الأمور، ولن يرضوا أبداً بأية إملاءات للحل".

وقال: "حاولت مصر والإمارات تسويق فكرتهما أن حفتر سيستقبل في طرابلس بالترحيب. غير أن الهجمات الارتدادية التي قامت بها قوات الحكومة الشرعية لم تسمح بدخول الجنرال المارق. وقد فهموا الآن أن حفتر غير مرحب به في العاصمة".

وفي إطار الحديث عن أي حلٍ محتمل في البلاد، وضح البناني أن الحل يجب أن يكون سياسياً، وليس عسكرياً. " ويجب أن يكون الحل قابلاً للتطبيق سياسياً. وأهم شيء، يجب أن يكون مقبولاً للمواطنين الليبيين" كما قال. وفي رأيه أن الشعب الليبي سيعارض أي فرض للحكم العسكري في البلاد.

صراع بين الأيديولوجيات الثورية والمضادة للثورة:

كما أن الحرب الحالية في ليبيا هي صدام بين الأيديولوجيات التي تدعم المشاريع المؤيدة للثورة والتطلعات المضادة لها. فالدول التي حاولت أن تساعد الليبيين في بناء حكومة مدنية تدعم حكومة الوفاق، بينما الدول التي ترغب في تنصيب نظام استبدادي توفر دعماً سياسياً وعسكرياً لحفتر.

وقد أدى عجز الفصائل السياسية المختلفة في ليبيا إلى انفصال الحكومة، ما نجم عنه بروز إدارة أخرى في طبرق، حسبما صرح الصحفي والخبير السياسي مصباح الورفلي لصحيفة الديلي صباح. وقال: "في البيئة غير المستقرة سياسياً وجدت قوات الثورة المضادة فرصة لإدراج أجندتها الخاصة وتأهيل المحاولات الإدارية بفضل الدعم الإقليمي". ووضح أن هؤلاء

المضادين للثورة لا يسعون إلا إلى تأسيس حكم عسكري للبلاد، مضيفاً: وذلك النوع من النظام لن يكون مختلفاً عما ثرنا عليه منذ ثمان سنوات".

وفي محاولة لإلقاء الضوء على الوضع الليبي، شدد الصحفي الليبي على أن الليبيين لا يحاربون حربهم الخاصة، ولكن بدلاً من ذلك يخوضون حرباً لمشاريع مختلفة مصممة من قبل التدخل الخارجي. "وقد مكّن الضعف الإداري الأطراف الخارجية من تصميم مستقبل ليبيا وفقاً لمبادراتهم"، كما أشار الخبير الليبي. وعندما سئل عما يلزم لضمان الاستقرار في ليبيا، شدد

على أهمية عملية شفافة مدعومة من الأمم المتحدة، مبيناً لم يعد لدى الأمم المتحدة نفس القوة التي كانت تمتلكها في الأربعينيات من القرن الماضي.