وقّع قادة الاحتجاج في السودان والمجلس العسكري الحاكم بالأحرف الأولى أمس وثيقة الاتفاق السياسي التي ستحدد أطر مؤسسات الحكم، وهو مطلب رئيسي للمحتجين منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في نيسان/ابريل الماضي.
وتخفف هذه الخطوة الكبيرة من المأزق السياسي في السودان، بعد أشهر من الاحتجاجات الحاشدة في ارجاء البلاد التي بدأت ضد البشير واستمرت بعد إطاحة الجيش به لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين.
وتصاعدت حدة التوتر في 3 حزيران/يونيو مع فض اعتصام المحتجين أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم والذي أوقع عشرات القتلى ومئات الجرحى.
وقال نائب رئيس المجلس العسكري الحاكم محمد حمدان دقلو المعروف أيضا باسم "حميدتي" والذي وقع الوثيقة بالنيابة عن المجلس العسكري، لوكالة فرانس برس "هذه لحظة تاريخية" للسودان.
وقال حميدتي في كلمة تلت التوقيع إنّ الاتفاق "يفتح عهدا جديدا وواعدا من الشراكة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مع طلائع وقادة الثورة السودانية المجيدة وشركائنا في قوة الحرية والتغيير".
ويقود حميدتي أيضا قوات الدعم السريع وهي قوات شبه عسكرية واسعة الانتشار والنفوذ ويخشاها الناس على نطاق واسع.
من جهته قال ابراهيم الأمين نائب رئيس حزب الامة القومي "هناك وثيقتان، الأولى الاتفاق السياسي وتشمل هياكل الحكم والثانية ملحق مكمل لها الوثيقة الدستورية".
وتابع "تم فجر اليوم إكمال التفاوض حول الوثيقة الأولى (وهي) الإعلان السياسي وسيتم التوقيع عليها بالأحرف الأولى".
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أن الطرفين وقعا "الإعلان السياسي" بعد محادثات مكثفة ليلا استمرت 10 ساعات في فندق على النيل في الخرطوم لإنجاز التفاصيل الأخيرة، وهو جزء من الاتفاق السياسي بين الطرفين، ولا يزال يتبقى الاتفاق على الإعلان الدستوري في الاتفاق.
وخرج قادة المجلس العسكري من القاعة وسط هتافات الصحافيين وموظفي الفندق "مدنية مدنية"، أحد الشعارات والمطالب الرئيسية لحركة الاحتجاج.
مصالحة شاملة:
وهذا الاتفاق الذي تم التوصل اليه بشكل أولي في 5 تموز/يوليو جرى برعاية الاتحاد الأفريقي ووسطاء أثيوبيين بعد مفاوضات مكثفة بين قادة الاحتجاج والمجلس العسكري الحاكم.
وقال وسيط الاتحاد الإفريقي محمد الحسن ولد لبات في مؤتمر صحافي "لقد اتفق المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى الحرية والتغيير على اتفاق كبير جدا يشكل خطوة حاسمة في مسار التوافق الشامل بين القوتين".
ويلحظ الاتفاق تشكيل مجلس عسكري مدني مشترك، "مجلس سيادي"، لقيادة المرحلة الانتقالية التي ستستمر ثلاث سنوات.
ويتكون المجلس من 11 عضوا، 6 مدنيين من بينهم 5 من قوى الحرية والتغيير و5 عسكريين. وينص الاتفاق الجديد على أن يترأس العسكريون أولا الهيئة الانتقالية لـ21 شهراً، على أن تنتقل الرئاسة الى المدنيين لـ18 شهرا.
وسيشرف المجلس على تشكيل حكومة مدنية انتقالية ستعمل لثلاث سنين، تجرى بعدها انتخابات عامة.
حصانة للجنرالات؟
وقال ابراهيم الامين إن تفاصيل اكثر حول تشارك السلطة ستظهر في "وثيقة دستورية" وإن المحادثات ستستأنف الجمعة.
ومن المتوقع أن تتضمن جولة المباحثات المقبلة مناقشة مسألة "الحصانة المطلقة" لجنرالات المجلس العسكري الحاكم تجنبهم المحاسبة على أحداث العنف المرتبطة بالتظاهرات.
وقبل بدء جلسة المفاوضات مساء الثلاثاء، أكّد قياديون في حركة الاحتجاج رفضهم منح جنرالات الجيش "الحصانة المطلقة".
وقال القيادي في حركة الاحتجاج أحمد الربيع، الذي وقع الاتفاق بالنيابة عن المحتجين، الثلاثاء "نرفض ذلك تماما".
لكنّ الفريق أول شمس الدين كباشي قال الاربعاء إنّ "الحصانة ليست موضوع خلاف" بين الطرفين.
وهناك نقاط اخرى عالقة يتعين تسويتها مثل تشكيل برلمان انتقالي وانسحاب محتمل لقوات الدعم السريع من الخرطوم، وهو مطلب تزداد مجاهرة المواطنين به في الشارع.
وتواجه قوات الدعم مزيدا من غضب الشارع مع اتهام الحركة الاحتجاجية لعناصرها بالمسؤولية عن مقتل ستة مدنيين منذ السبت، بينهم شخص يُزعم أنه قُتل بالرصاص وآخر تعرض للتعذيب.
وشدد الفريق اول محمد حمدان دقلو على ان الاتهامات الموجهة الى قواته محاولة لتشويه صورتها.
في الوقت نفسه، أعربت ثلاث مجموعات متمردة تشكل جزءا من الحركة الاحتجاجية عن قلقها بشأن التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق الأربعاء، وقالت إن بعض القضايا الرئيسية مثل إحلال السلام في مناطق النزاع وتلبية احتياجات "الأشخاص الضعفاء" لم يتم تناولها.
وقال المبعوث والمفاوض الإثيوبي محمود دردير والدموع في عينيه من شدة التأثر إنّ السودان "بلد عظيم وأصيل يجب أن يخرج من بوتقة الفقر والحصار وسجل ما يسمى بالدول الراعية للإرهاب".
وتابع "هذا الشعب العظيم يستحق هذا اليوم التاريخي. هنيئا للسودان وهنيئا لإفريقيا".
وليل الثلاثاء الأربعاء هطلت الأمطار بغزارة على الخرطوم لأول مرة منذ أسابيع طويلة.
وقال ابو سفيان مدير الفندق الذي استضاف الاجتماع "هذه بشارة ربانية أن الاتفاق سينجح. الأمطار دائما تحمل الخير" قبل أن يوقع الطرفان الاتفاق بالأحرف الأولى.