بعد سنوات طوال من حياة التنقل بين بيوت متهالكة لا تصلح للحياة الآدمية إلى خيام لا تقي قيظ الصيف ولا برد الشتاء، وجدت 320 عائلة فلسطينية ضالتها لدى وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، التي منحت تلك العائلات بيوتاً حديثة.
السيدة نشوى أبو الفول (29 عاماً)، تحدثت عن معاناة 9 سنوات من التنقل بين البيوت غير الصالحة، ودفع الإيجارات التي أثقلت كاهل العائلة.
أبو الفول، أمٌ لثلاثة أطفال وزوجة لرجلٍ ثلاثيني عاجز عن العمل بسبب تعرضه لإصابة سابقة في رأسه، حصل اليوم على مفتاح شقّتها السكنية "الخاصة" التي موّلت بناءها وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا".
وبمجرد أن أدارت أبو الفول المفتاح في باب الشقة الجديدة حتى انهمرت من عينيها دموع الفرح، مهللة بعبارات "الحمد والشكر"، ثم نظرت إلى زوجها الذي كان يراقب انفعالها، سائلةً إياه "هل نحن في حلم؟".
وبعد فصول من المعاناة الإنسانية التي كانت أبو الفول تعيشها داخل شقق تصفها بـ"غير الصالحة للحياة الآدمية"، تبدأ اليوم برفقة زوجها وأطفالها حياة جديدة "مُستقرّة".
تقول السيدة "كنا نعيش حياة غير مستقرة، نضطر خلال الشهر الواحد، إلى التنقل من بيت لآخر".
وفاقمت حالة الفقر من المعاناة الإنسانية لعائلة أبو الفول، حيث إن أصحاب الشقق السكنية كانوا يرفضون "تأجيرهم خوفاً من عدم تسديدهم لإيجارها".
لذا لم يجدوا، آنذاك، غير بيوت للإيجار متهالكة "تسمح للقوارض والزواحف بالدخول عبر الزوايا"، كما تقول.
وتتابع "نعتمد في حياتنا على الراتب الذي نحصل عليه من وزارة الشؤون الاجتماعية، بقيمة 1000 شيكل (285 دولارا أمريكيا) نحصل عليها مرة واحدة، كل ثلاثة شهور".
وكان ثمن إيجار المنزل "المتهالك" يكلّف عائلة أبو الفول 400 شيكل شهرياً (114 دولارا)، فيما تكابد كي تجعل بقية الراتب يكفيها طوال الشهور الثلاثة.
وتضيف "أحياناً يقدم الأهل والأقارب لنا مساعدات، وأحياناً أخفي دمعتي أمام أبنائي لأنني لا أملك القدرة على شراء حاجياتهم الأساسية".
ويخفف امتلاك العائلة لمنزل خاص بهم من الأعباء المالية، ومن الحياة "الصعبة والقاسية"، كما تصفها أبو الفول.
وتقول إنها تشعر بالفرحة الشديدة كون المنزل سيؤوي أطفالها شتاء هذا العام ويحميهم من البرد القارس الذي كان "يأكل أطرافهم في البيوت المتهالكة".
وتستطرد قائلة "لن يغرق المنزل بعد الآن ولن يتبلل أثاثنا مجدداً بمياه الأمطار".
ثمّنت أبو الفول الجهود التركية في دعم الشعب الفلسطيني، ووجّهت شكرها إلى الشعب التركي وحكومته.
وتُعتبَر عائلة أبو الفول واحدة من 320 عائلة فلسطينية، تسلّمت مفاتيح شققها السكنية التي موّلتها "تيكا" من وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، الأحد الماضي.
وبدأت "تيكا" بناء هذه الوحدات السكنية في قرية "وادي غزة" (تعرف محليا باسم جُحر الديك وتقع جنوب مدينة غزة) عام 2015، بغرض إسكان العائلات الفقيرة، والمتضررين من الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
وفي العمارة السكنية المقابلة لشقّة أبو الفول، في الطابق الثاني، يعيش الفلسطيني إبراهيم محمد إبراهيم (42 عاماً)، وهو أبٌ لـ6 فتيات وولدين.
ولسنوات عديدة، عاشت عائلته داخل خيمة من "القماش" تطلّ على شارع عام، في منطقة الصفطاوي، بمدينة غزة، حياة يصفها بـ"المُرّة".
يقول إبراهيم "في الخيمة كنا نعيش في الشارع، كانت مرتعا للقوارض، وكنا نغرق بمياه الأمطار شتاء".
لكن حاله تحسّن قليلاً منذ فترة وجيزة، بعد أن قدّم له أشخاص يصفهم بـ"أهل الخير"، بيتاً بسيطاً تكفّلوا بـ"ثمن إيجاره".
إبراهيم، الذي يعمل حداداً بمساعدة زوجته الثلاثينية، يشعر بالفرحة الكبيرة بعد حصوله على بيت ضمن مشروع "تيكا".
ويتابع "فرحتنا أنا والأطفال والعائلة كبيرة جداً بحجم هذه الدنيا".
وقدّم إبراهيم شكره للشعب والحكومة التركية، والرئيس "رجب طيب أردوغان"، داعياً لهم بـ"الأمن والأمان".
وفي شقة أخرى، تنهمك السيدة عائشة حميدة (38 عاماً)، بمساعدة زوجها وأطفالها الستة، في ترتيب أثاثهم القديم، داخل المنزل الجديد.
وبعد 11 عاماً قضتها عائلة حميدة في حياة "غير مستقرّة" جرّاء تنقّلهم من منزل لآخر بـ"الإيجار"، تشعر اليوم بنوع من الاستقرار بعد تملّكها للشقة السكنية.
وكان إيجار الشقق السكنية يشكّل عبئاً مادياً كبيراً بالنسبة إلى العائلة التي يعتبر جميع أفرادها عاطلون من العمل، ويعتاشون على ما تقدّمه لهم وزارة الشؤون الاجتماعية.
وتقول إن شعورها، بعد دخولها لشقّتها الجديدة، "لا يُوصف"، إزاء هذه الحياة الجديدة، التي أمّنتها لهم وكالة "تيكا".
ووجّهت حميدة شكرها للشعب التركي على مواصلة دعمهم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني.
وتبلغ نسبة البطالة في غزة 46%، بحسب آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي).
وتقول الأمم المتحدة إن 80٪ من سكان غزة باتوا يعتمدون بسبب الفقر والبطالة، على المساعدات الدولية من أجل العيش.