من المتوقع أن يتصدر ملف شراء تركيا لمنظومة إس 400 الدفاعية مباحثات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته المقررة في الثالث من شهر مايو/أيار المقبل إلى روسيا، في خطوة تثير إزعاج وخوف حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبحسب التقديرات من المرجح أن يتوصل الجانبان التركي والروسي إلى صيغة نهائية للتوقيع على عقد شراء إحدى أقوى المنظومات الدفاعية في العالم، وذلك عقب أشهر من المباحثات الثنائية التي جرت على أعلى المستويات السياسية والعسكرية بين البلدين.
وأكد اليوم الاثنين، الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن أردوغان سوف يزور روسيا خلال جولته التي تبدأ بعد أيام وتشمل الصين والهند وأمريكا وبلجيكا، حيث من المقرر أن يلتقي بوتين في مدينة سوتشي.
وقبل أيام، كشف وزير الدفاع التركي فكري إشيق عن أن "اللقاءات بين مسؤولي البلدين –روسيا وتركيا- بهذا الخصوص وصلت إلى مرحلتها النهائية"، موضحاً أن "حاجة تركيا إلى نظام دفاع جوي وصاروخي، واضحة جدا، لكن مع الأسف فإن دول الناتو لم توافق على التبادل التقني والإنتاج المشترك مع تركيا، ولهذا اتجهنا إلى مسار آخر".
وتقول تركيا إن العروض التي قدمت لها من قبل "الناتو" لم تتناسب مع شروطها وتطلعاتها، إضافة إلى ارتفاع سعرها مقارنة بالأنظمة والعروض الأخرى ولا تتيح نقل الخبرات إلى الجانب التركي.
ومنذ سنوات طويلة، تسعى تركيا لامتلاك منظومة دفاع جوي متطورة، وعملت بالأساس من أجل الحصول على المنظومة التابعة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" بصفتها دولة عضو وتعتبر صاحبة ثاني أكبر جيش في الحلف، لكنها لم تتمكن من ذلك واتهمت الحلف بـ"المماطلة في تزويدها بمنظومة الباتريوت".
وفي ذروة التهديدات الأمنية التي عايشتها تركيا مع تصاعد الأزمة في سوريا قبيل نحو 6 سنوات، تقاعس الناتو في تزويد تركيا بمنظومة "الباتريوت" واكتفى بنشر منصتين تم سحب إحداهما لاحقاً ووضعهما تحت بند الابتزاز السياسي، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين أتراك.
ومع استمرار "مماطلة الناتو" اتجهت تركيا نحو البحث عن خيارات أخرى تؤمن لها بناء منظومة متطورة للدفاع الصاروخي في وجه التهديدات المتصاعدة في المنطقة، لا سيما مع استمرار الحروب في سوريا والعراق.
وقبل سنوات توصلت تركيا والصين إلى تفاهمات أولية من أجل شراء منظومة خاصة للدفاع الصاروخي، لكن حلف شمال الأطلسي اعترض بشدة على المساعي التركية بحجة أنه يصعب ربط المنظومة الصينية بالأنظمة الدفاعية التابعة للناتو، كما أن ربطها يهدد امن المعلومات الإستراتيجي التابع للحلف الأمر الذي أدى إلى تأخير الصفقة وإعاقة اتمامها وهو ما ولد قناعة تركية متزايدة بأن الانتظار لن يفيد بشيء وأن الناتو لن يزودها بمنظومة "باتريوت" مهما تعاظمت المخاطر المحيطة بالأراضي التركية.
وعقب ذلك وفي ظل تنامي العلاقات مع موسكو اتجهت تركيا نحو روسيا في محاولة للحصول على إس400 إحدى أفضل المنظومات الدفاعية في العالم، وهي مضادة لطائرات الإنذار المبكر، وطائرات التشويش، وطائرات الاستطلاع، ومضادة أيضًا للصواريخ البالستية متوسطة المدى.
وكان عضو مجلس إدارة شركة روكتك الروسية للصناعات الدفاعية، سيرغي جيميزوف، صرح في وقت سابق أنّ تركيا تولي اهتماماً لمنظومة "إس 400" وأنها تجري مباحثات لشراء المنظومة.
وفي تصريح سابق، قال وزير الدفاع التركي: "تركيا كانت ترغب في تلبية حاجتها في إطار حلف شمال الأطلسي (ناتو) أولا، لكن عندما تعذر ذلك بدأت دراسة خيارات أخرى"، حيث أثر التوتر المتصاعد في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على العلاقات التركية مع دول الحلف الأوروبية.
وفي هذا الإطار، شدد الوزير على أنه "لا يمكن دمج منظومة إس 400 مع أنظمة الناتو، ونحن في الأساس لم نقدم طلبا للناتو بهذا الخصوص"، في موقف يظهر غضب أنقرة من تجاهل الناتو للتحديات الأمنية التي عايشتها طوال السنوات الماضية، ويشير إلى أنها حسمت قراراها بالعمل على العمل وفق ما تقتضيه مصالحها العليا دون الأخذ بعين الاعتبارات مواقف الناتو أو الجهات الدولية الأخرى.
ويرى محللون أتراك أن "الناتو" كان على الدوام وسيبقى يعارض حصول تركيا على تقنيات عسكرية متقدمة أو منظومة دفاع متطورة وذلك في مسعى منه لأن تبقى أنقرة بحاجة مستمرة إليه وترضح لمطالبه وشروطه، معتبرين أن التطور الكبير في الصناعات الحربية والدفاعية التركية يزعج الناتو والدول التي لا تريد لتركيا أن تصبح دولة قوية تمتلك قرارها بشكل كامل.
كما أثار تسلم إيران قبل أشهر منظومة اس 300 من روسيا انزعاج تركيا والعديد من الدول في المنطقة، وهو ما حفز أنقرة للسعي بشكل أسرع من أجل امتلاك منظومة أكثر تطوراً.
وتشترط تركيا في جميع صفقاتها العسكرية الإنتاج المشترك والتكفل بتدريب خبرات تركية من اجل تطوير مهاراتها ونقل الخبرة ضمن برنامج واسع للاعتماد على الخبرات التركية في جميع المجالات بالمستقبل، وهو ما رفضه الناتو ويتوقع أن تقبل به روسيا في حال اتمام الصفقة التي يمكن أن تبلغ قيمتها أكثر من ملياري دولار.
ومنذ تسلمه السلطة، أولى الرئيس رجب طيب أردوغان أولوية كبيرة لتطوير الصناعات الحربية والدفاعية التركية، وجرى إنتاج مروحيات ودبابات وعربات عسكرية وأسلحة وصواريخ متعددة بخبرات تركية، إلى جانب مشاريع متواصلة من اجل صناعة طائرة حربية وحاملة طائرات بخبرات تركية خالصة، إلى جانب ارتفاع معدل الصادرات الدفاعية التركية إلى العديد من الدول حول العالم.