تركيا والعمق الاستراتيجي بأفريقيا.. 10 سنوات من الانفتاح السياسي والاقتصادي

ديلي صباح
إسطنبول
نشر في 01.03.2016 00:00
آخر تحديث في 01.03.2016 13:57
تركيا والعمق الاستراتيجي بأفريقيا.. 10 سنوات من الانفتاح السياسي والاقتصادي

تجسد زيارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المكوكية إلى دول أفريقيا التوجه السياسي التركي الذي يرى في القارة السمراء عمقاً استراتيجياً لتركيا ويعمل على تحقيق ذلك من خلال بناء شراكات متينة مع العديد من الدول التي تتمتع باقتصاديات ناشئة قوية وموقع جيوسياسي بارز.

أردوغان الذي كرس هذا التوجه بخطة واضحة منذ 10 سنوات بدأ، السبت، جولة تشمل ساحل العاج وغانا ونيجيريا وغينياتستمر حتى 3 آذار/ مارس الجاري، في ترجمة عمليةللشراكة الإستراتيجية بين تركيا والقارة الأفريقية، والتي أعلنتها حكومة حزب العدالة والتنمية التركي عام 2005.

وبعد قرابة 11 عام من هذه الشراكة، أعلن أردوغان بوضوح "نحن نفتخر بأننا أصبحنا بعد عقد من إطلاق المبادرة رابع أكثر دولة تنشط في القارة الأفريقية".

11 عاماً من العمل الدؤوب للحكومات التركية المتعاقبة بتوجه مباشر من أردوغان تمخض عنها رفع عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 إلى 39 سفارة، من أصل 54 دولة في القارة التي يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة وتمتلك موقعاً جيوسياسياً هاماً.

يقول أردوغان عن رفع عدد السفارات: "هذا الأمر يظهر الأهمية التي توليها تركيا للدول الأفريقية، إن العلاقات بين أفريقيا وتركيا مبنية على الشراكة المتكافئة والاحترام المتبادل، وستتطور وستتعزز يومًا بعد يوم"، مضيفاً: "شهدت علاقات تركيا بالدول الأفريقية قفزات كبيرة خلال السنوات العشر الماضية؛ تركيا تتبنى في علاقاتها مع البلدان الإفريقية سياسة قائمة على إستراتيجية تعميق تلك العلاقات بمرور الأيام في كافة المجالات".

وفي مقال له في صحيفة "ديلي صباح"، يشرح أردوغان العلاقات التاريخية بين تركيا وأفريقيا بالقول: "يرجع تاريخ العلاقات التركية- الأفريقية إلى القرن التاسع الميلادي؛ وكان الأتراك ينظرون على مر السنين إلى الأفارقة كإخوانهم وأخواتهم، وأقاموا جسور التواصل معهم على أساس الاحترام والتقدير المتبادل"، مضيفاً: "وعلى عكس القوى الاستعمارية، تمتلك تركيا تاريخاً مشرفاً في القارة الأفريقية، ليس به فصول سوداء.فنحن ربما نتحدث لغات مختلفة، وننحدر من أصول عرقية متنوعة ومظهرنا مختلف؛ إلا أن الشعب الأفريقي كان دائماً شريكاً وحليفاً لنا... وقد لعب هذا الإرث الكبير من التعاون والتضامن دوراً مفتاحياً في نجاح سياسة الشراكة التركية مع أفريقيا".

ويوضح أردوغان أن "الجهود التركية أثمرت في بناء علاقات أقوى مع الشعب الأفريقي في السنوات الأخيرة"، وقال: "مع إطلاقنا لمبادرة الانفتاح الإفريقي عام 2005 استطعنا تحقيق تقدم ملحوظ في التبادل التجاري والحوار السياسي والتعليم والاستثمارات الأجنبية المباشرة، في الثماني سنوات التالية لإطلاق المبادرة... إن سياستنا الجديدة تجاة أفريقيا ليست فقط تتويجاً للإرث التركي- الأفريقي- الأورآسيوي، بل يثبت أيضاً القدرة على مواجهة حقائق وتحديات القرن الـ 21".

اتخذت العلاقات التركية– الأفريقية منحى جديد في عام 2005 بعد أن حصلت تركيا على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي وشرعت بالعمل بسرعة لكي تصبح شريكاً استراتيجياً للاتحاد وهو ما تم بالفعل عام 2008.ومع عقد قمة التعاون التركي- الأفريقي في اسطنبول في العام نفسه، اكتسبت العلاقات زخماً ساعد في توطيد الروابط بين الشعبين التركي والأفريقي.

وتتطلع تركيا لاستضافة قمة التعاون التركي الأفريقي الثالثة باسطنبول عام 2019، وتقول إنها ستواصل مشاركة خبراتها التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية. كما ستواصل تقديم الفرص والإمكانات للدول الأفريقية.

اقتصادياً، تضاعف حجم التبادل التجاري بين تركيا ودول جنوب الصحراء الكبرى عشرة أضعاف خلال الـ 13 عاماً الماضية. حيث ارتفع من 742 مليون دولار عام 2000 إلى 8.4 مليار دولار عام 2014. كما تمتلك الشركات التركية استثمارات تقدر بـ 6.2 مليار دولار في عموم القارة الأفريقية. كما تسيّر الخطوط الجوية التركيةرحلات إلى 48 جهة في 31 دولة أفريقية. وأصبحت اسطنبول مركزاً مهماً ونقطة انطلاق للمسافرين الأفارقة المتجهين إلى العديد من الدول.

وعلى الصعيد الإنساني، وسعت تركيا من قاعدة دعمها للفقراء والمحتاجين ولمشاريع التنمية في القارة حيث ساهمت في عام 2013بـ 781.2 مليون دولار في مشاريع الإغاثة الرسمية. ويشكل هذا المبلغ ربع حجم ميزانية المساعدات الخارجية التركية لذلك العام، وافتتحت رئاسة إدارة التعاون والتنسيق التركية مكاتب لها في كل من أديس أبابا في عام 2005 والخرطوم في عام 2006 ودكار في عام 2007، وقد نفذت هذه الإدارة لغاية الآن مشاريع شملت 37 دولة أفريقية.

تقول وزارة الخارجية التركية في تقرير على موقعها الإلكتروني: "تنوعت العلاقات التركية مع القارة الأفريقية وتطورت بفضل زيادة عدد الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الجديدة وإنشاء الآليات الثنائية الاقتصادية والسياسية وتشجيع الزيارات المتبادلة للوفود التجارية".

وفي قمة التعاون التركية الأفريقية الأولى التي عقدت في إسطنبول عام 2008 بمشاركة 49 دولة أفريقية وممثلي 11 منظمة إقليمية ودولية من ضمنها الاتحاد الأفريقي، تم اعتماد الوثائق التالية بالإجماع: "إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك" و "إطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية".

وفي ضوء العلاقات المتطورة توجد في أنقرة سفارات لثماني دول واقعة جنوب الصحراء الأفريقية وهي أثيوبية وغامبيا وجمهورية جنوب أفريقيا وموريتانيا ونيجيريا والسنغال والصومال والسودان. وفي السنوات الأخيرة كانت كل من السنغال في عام 2006 والصومال في عام 2008 وغامبيا في عام 2010 قد افتتحت سفارات لها لدى أنقرة. كما قررت كل من جمهورية كونغو الديمقراطية وكينيا وأوغندة والكاميرون وغينيا ومدغشقر وأنغولا وغانا والغابون وزامبيا افتتاح سفارات لها لدى تركيا. وفي هذا السياق من المقرر أن يصل عدد سفارات الدول الواقعة جنوب الصحراء الأفريقية في تركيا إلى 18.

وللصومال وضع خاص لدى تركيا، ففي الوقت الذي انشغل فيه العالم أجمع عن المجاعة والمأساة الإنسانية التي تعيشها، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2011 أول زعيم غير إفريقي يزور الدولة الفقيرة غير الآمنة منذ أكثر من 20 عاماً، فاتحاً الباب أمام مساعدات إنسانية واقتصادية وتنموية تركية غير محدودة للصومال وصلت ذروتها، الاثنين الماضي، بالتوقيع على اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

وستستضيف الصومال قاعدة عسكرية تركية تحمل أهمية إستراتيجية كونها تقع في منطقية "جيوسياسية" بارزة، فالصومال تطل على خليع عدن الاستراتيجي، وتفتح آفاق لتعاون عسكري كبير مع السلطات الصومالية، وتضع قدم لأنقرة في القارة السمراء المهمشة عالمياً على الرغم من أهميتها الجغرافية والسياسية.

وتدرك تركيا جيداً أهمية الصومال بالنظر إلى موقعها الجغرافي الذي يربط بين القارات وباعتبارها ممراً مهماً للطاقة في العالم، إضافة إلى الثروات الكثيرة التي يمتلكها الصومال والمخزون النفطي، وبالتالي فإن الصومال يدخل ضمن سياسة عامة تنتهجها تركيا للتأثير على المستويين الإقليمي والدولي.